للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقرب المعقولات كالمحسوسات.

والاستقراء الصحيح دل على أن الحضارة الغربية فيها نافع غاية النفع، وضار غاية الضرر، أما النافع منها فهو ما أنتجته في الميادين الحيوية في الماديات والتنظيميات، وما خدمت به الإنسان من حيث إنه جسم في جميع أنواع الحياة، والضار منها: هو الإفلاس الروحي والتمرد على نظام السماء الذي وضعه خالق الكون -جل وعلا-، فإذا عرفنا أن منها نافعًا ومنها ضارًا فنضرب لذلك الأمثال -مثل الموقف الطبيعي منها- مثل رجل بعيد عن العمران في آخر رمق من العطش، وجد سمًا فتاكًا وماءً عذبًا زلالًا، فالعقل الصحيح يحصر الأقسام عنده في أربعة: إما أن يشرب السَّم والماءَ معًا، أو يتركهما معًا، أو يشرب السم ويترك الماء، أو يشرب الماء ويترك السم. فإن شربهما معًا لم ينتفع بالماء؛ لأن السم يهلكه، وإن تركهما معًا مات في الطريق ولم يلحق بالقافلة، وسقط دون الركب، وإن شرب السم وترك الماء فهو رجل أحمق أهوج لا يدري خيرًا من شر، وإن كان عاقلًا فطبعًا أنه يشرب الماء ويترك السم، ونحن يؤسفنا كل الأسف أن المنتسبين للسياسة الذين يحركون دفّة الأمور عكسوا القضية، فشربوا من الحضارة الغربية سُمَّها القاتل الفتاك وهو ماجنته من الانحطاط الخُلقي والرذالة والتمرد على نظام السماء، وتركوا نافعها وهو التقدم الدنيوي في ميادين الحياة! !

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل (١)


(١) البيت لأبي العتاهية، وهو في ديوانه (ص ١٧٤).

<<  <   >  >>