خلقه فهو أجهل خلق الله بالله، ومن أثبت لله ما أثبته لنفسه في حال كونه منزهًا ربه غاية التنزيه عن مشابهة صفات الخلق فهو مؤمن مُنَزّه سالم من ورطة التشبيه والتعطيل مستضيء بنور قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١].
الثالث من تلك الأسس: قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف؛ لأن العقول لا تحيط علمًا بمن خلقها، قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)} [طه: ١١٠] فقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ} فعل في سياق النفي، وهو صيغة عموم كما هو مقرر في الأصول، ومن المعلوم أن الفعل قسمان: فعل حقيقي، وفعل صناعي، أما الحقيقي: فهو الحدث المتجذر المعبر عنه في علم النحو بالمصدر، وأما الصناعي: فهو المعروف في الصناعة النحوية بفعل الأمر والماضي والمضارع، والفعل الصناعي ينحل عن مصدر وزمن عند النحويين، وعن مصدر وزمن ونسبة عند جماعة من البلاغيين، كما حرروه في مبحث الاستعارة التبعية، والمقصود أن المصدر كامن في مفهوم الفعل الصناعي إجماعًا؛ وذلك المصدر لم يتعرف بمُعَرّف فهو في معنى النكرة، فالنفي المقترن بالفعل يتسلط على المصدر الكامن في مفهومه، فيؤول إلى معنى النكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم كما هو معروف في محله.
فقوله إذًا: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)} [طه: ١١٠] في معنى: لا إحاطة للعلم البشري بخالق الكون - جل وعلا -.
وأنا أؤكد لكم كل التوكيد أنكم إن لقيتم ربكم يوم القيامة معتقدين