للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ذلك كما أن موسم الجفاف يتفق في هذا الإقليم مع موسم الحرارة وهي حالة مناخية لا تسمح إلا بقيام الأشجار، إذ تستطيع الشجرة في هذا الفصل أن تستفيد من الحرارة وتقاوم الجفاف بأساليب مختلفة لا تقوى عليها إلا الأشجار، وأما الحشائش فتحتاج إلى دفء ومطر في وقت واحد وهما عاملان لا يجتمعان في فصل واحد في إقليم البحر المتوسط، ومن هذا كان هذا الإقليم إقليم أشجار وليس إقليم حشائش.

على أن حالة الغابة في هذا الإقليم بحسب كمية المطر ففي الجهات التي يتوفر فيها المطر تنمو الغابات الدائمة الخضرة حقيقة، فتكثر أشجار الصنوبر والأرز والبلوط الدائم الخضرة "الشاهلبوط" والكافور الدائم الخضرة "الجارا"، ثم في الجهات الأقل مطرًا ينمو البلوط النفضي والكافور النفضي ثم حينما يزداد فصل الجفاف طولًا تتدهور الغابة وتتحول إلى شجيرات ولكنها شجيرات دائمة الخضرة أيضًا مثل الصفصاف والآس والحصالبان.

وأهم الصفات المناخية بإقليم البحر المتوسط التي لها تأثير على حالته النباتية صفتان: الصفة الأولى أن درجة الحرارة فوق الحد الأدنى اللازم لنمو النبات طول العام، والصفة الثانية أن موسم الجفاف -وهو الصيف- ليس جفافًا تامًّا في جميع الحالات، ومعنى هذا أن الحرارة والمطر متوفران في هذا الإقليم معظم شهور السنة، وهو ما يسمح بنمو الأشجار وتكاثفها إلى حد تكوين غابة في كثير من الحالات. ويمتاز هذا الإقليم بالتتابع المنتظم في أحواله المناخية، وقد ظهر هذا التتابع المنتظم في أدوار حياة النبات به، فيعتبر فصلا الربيع والخريف موسم الغزارة النباتية لاعتدال الحرارة وكفاية المطر بهما.

وكذلك الشتاء يعتبر من مواسم الغنى النباتي بهذا الإقليم، ولكنه لا يصل إلى مستوى الربيع والخريف بسبب البرودة النسبية. وأما الصيف فهو فصل ركود حقيقي بسبب الجفاف الذي يزيد من قسوته شدة الحرارة التي تجعل أية كمية من المطر تسقط في هذا الفصل لا قيمة لها، إذ سرعان ما تضيع بالبخر، ويتوقف احتفاظ النبات بالحياة على قدرته على مقاومة هذا الجفاف الشديد

<<  <   >  >>