إلَّا تَحَرُّفًا
ــ
[منح الجليل]
عَشَرَ أَلْفًا، فَإِنْ بَلَغُوهَا حَرُمَ وَلَوْ كَثُرَ الْكُفَّارُ جِدًّا مَا لَمْ تَخْتَلِفْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا جَازَ لِخَبَرِ «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ» ، وَمَا لَمْ يَكُنْ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا جَازَ. وَفِي بَعْضِ التَّقَايِيدِ مَحَلُّ الْحُرْمَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ ذَلِكَ وَظَنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقْتُلُونَهُمْ جَازَ الْفِرَارُ انْتَهَى.
فَإِنْ كَانَ ظَنُّ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ رُجِعَ لِلتَّقْيِيدِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ لِشَجَاعَتِهِمْ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ، وَالْفِرَارُ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَارِّ إلَّا أَنْ يَتُوبَ. ابْنُ عَرَفَةَ تَظْهَرُ تَوْبَتُهُ بِثُبُوتِهِ فِي زَحْفٍ آخَرَ، وَنَازَعَهُ الْآبِي قَائِلًا: بَلْ هِيَ بِالنَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، هَذَا الْقَيْدُ ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَسَبَهُ لِأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَسَلَّمَهُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ غَازِيٍّ فِي تَكْمِيلِهِ وَأَقَرَّاهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ سَحْنُونٌ وَنَسَبَهُ لِلْعِرَاقِيِّينَ، وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَوَّلَ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ.
وَقَوْلُ " ز " مَا لَمْ يَكُنْ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ، وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ إلَخْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ هُنَا وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ وَلَمْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَنَصُّهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَحِلُّ فِرَارُ مِائَةٍ مِنْ ضَعْفِهَا وَلَوْ كَانَ أَشَدَّ سِلَاحًا وَقُوَّةً وَجَلَدًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ فَفِي التَّوْلِيَةِ سِعَةٌ اهـ. وَأَمَّا الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفًا فَلَا يَفِرُّونَ وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ أَضْعَافَ أَضْعَافِهِمْ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بِمَحَلِّ مَدَدِهِ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَقَوْلُ " ز " وَنَازَعَهُ الْآبِي إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ابْنُ عَرَفَةَ لَمْ يَقُلْ إنَّ حَقِيقَةَ التَّوْبَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي زَحْفٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا قَالَ ظُهُورُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ.
(إلَّا تَحَرُّفًا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُشَدَّدَةً لِقِتَالٍ بِأَنْ يُظْهِرَ الْهَزِيمَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute