للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ، أَوْ فِي فِعْلٍ

ــ

[منح الجليل]

أُكْرِهَ إكْرَاهًا شَرْعِيًّا (بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ، وَقَدْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ الْحَالِفُ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَهُوَ مَلِيءٌ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لِتَكْمِيلِ عِتْقِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ، أَوْ أَعْتَقَ شَرِيكُ الْحَالِفِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَقُوِّمَ نَصِيبُ الْحَالِفِ لِذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ، هَذَا قَوْلُ الْمُغِيرَةِ.

وَأَشَارَ بِوَ " لَوْ " إلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْحِنْثِ لِأَنَّ إكْرَاهَ الشَّرْعِ طَوْعٌ، فَالصَّوَابُ الْعَكْسُ. وَلَوْلَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ لَا بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ. وَقَالَ تت ثُمَّ بَالَغَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ الَّذِي حَلَفَ لَا اشْتَرَاهُ فَأُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ نَصِيبِهِ مِنْهُ وَقَوَّمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بَقِيَّتَهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَصْلُ. وَلَا الْفَرْعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِيهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَلَا يُلَائِمُ الْمُبَالَغَةَ الْمُثِيرَةَ لِلْخِلَافِ، إذْ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. ابْنُ عَاشِرٍ ظَهَرَ لِي أَنَّ صَوَابَ وَضْعِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إثْرَ قَوْلِهِ أَوْ فِي فِعْلٍ لِأَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْفِعْلِ لَا الْقَوْلِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ وَأُكْرِهَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى فِعْلٍ عَلَّقَ هُوَ عَلَيْهِ لَا بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ فَتَتَحَرَّرُ الْعِبَارَةُ وَتُفِيدُ الْمَشْهُورَ.

وَعُطِفَ عَلَى الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ أُكْرِهَ (فِي فِعْلٍ) أَيْ عَلَيْهِ كَحَلِفِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِهَا فَلَا يَحْنَثُ عِنْدَ سَحْنُونٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِفِعْلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَسُجُودٍ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَزِنًا بِطَائِعَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ، وَيَمِينِ الْبِرِّ وَبِكَوْنِ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ غَيْرَ الْحَالِفِ، وَبِعَدَمِ عِلْمِهِ حَالَ الْيَمِينِ بِالْإِكْرَاهِ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُهُ طَائِعًا وَلَا مُكْرَهًا وَبِعَدَمِ فِعْلِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ حَنِثَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَحْنَثُ لِعَدَمِ نَفْعِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْفِعْلِ، وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَوْلِ وَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْفِعْلِ بِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَثَلًا مُعَظِّمٌ لِرَبِّهِ بِقَلْبِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] ، بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ عَلَى الْفِعْلُ كَشُرْبِ الْحُمْرِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا فَمَفْسَدَتُهُ مُحَقَّقَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>