. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يُؤَوَّلُ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَهُ بِحُكْمِ قَاضٍ أَوْ قَبَضَهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِلَا حُكْمٍ، فَالْكَفِيلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَامِنٌ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الطَّعَامِ وَذِمَّتُهُ عَامِرَةٌ بِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى طَالِبِهِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا مَعَ قِيَامِ الطَّعَامِ بِيَدِ الْكَفِيلِ أَوْ فَوَاتِهِ، فَإِنْ غَرِمَ الْأَصِيلُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ. وَلَا يَجُوزُ لِطَالِبِهِ بَيْعُهُ بِهَذَا الْقَبْضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا أَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الطَّالِبُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ مَا اقْتَضَاهُ سَاغَ الثَّمَنُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي غَرِمَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
الرَّابِعُ: اخْتِلَافُهُمَا فِي صِفَةِ الْقَبْضِ فَادَّعَى الْكَفِيلُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْإِرْسَالِ وَالْأَصِيلُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَصِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْقَرْضِ إذَا قَالَ قَابِضُهُ قَبَضْته عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ. وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ قَرْضًا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ لِلدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْقَابِضِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْأُصُولُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبِهَذَا قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ، وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَظْرِ، وَالْكَفِيلُ هَاهُنَا قَدْ ادَّعَى قَبْضًا صَحِيحًا، وَالْأَصِيلُ قَدْ ادَّعَى قَبْضًا فَاسِدًا، فَوَجَبَ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْقَابِضِ الَّذِي هُوَ الْكَفِيلُ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَشْبَهَ وَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُبَاحًا وَالْأَصِيلُ قَدْ ادَّعَى الْفَسَادَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالدَّفْعِ إلَى الطَّالِبِ لِيَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ، فَإِذَا ادَّعَى الْأَصِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مَحْظُورًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ.
الْخَامِسُ: إبْهَامُ الْأَمْرِ وَخُلُوُّ الْقَبْضِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَدْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ، فَهَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute