. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فَقِيلَ الْمَالُ فِي مَالِهِ وَالدَّمُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَقِيلَ الْمَالُ هَدَرٌ كَالْمَجْنُونِ. وَقِيلَ كِلَاهُمَا هَدَرٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَعَلَ مَوْرِدَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمَ التَّمْيِيزِ وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْفِقْهِ، غَيْرَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ لَا تُسَاعِدُهُ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلتَّحْدِيدِ فِيهَا بِالسِّنِينَ، فَقِيلَ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ ابْنُ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَبِلَهُ الْمُوَضِّحُ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا. وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ قَوْلُهُ وَالرِّوَايَاتُ لَا تُسَاعِدُهُ يُرَدُّ بِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ، إذْ قَالَ لَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ حُكْمَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ابْنِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ وَنَحْوِهِ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَالِ وَالدَّمِ وَحُكْمَ الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ سَوَاءٌ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ جِنَايَتَهُمْ عَلَى الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَعَلَى الدَّمِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَفِي أَمْوَالِهِمْ.
وَالثَّانِي أَنَّهَا هَدَرٌ فِي الْمَالِ وَالدَّمِ.
وَالثَّالِثُ: تَفْرِقَتُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمَالِ وَالدَّمِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ فَلَا اخْتِلَافَ فِي ضَمَانِهِ مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَإِنَّ عَمْدَهُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الدَّمِ خَطَأٌ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ مَا نَقَصَ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ. وَأَمَّا الْكَبِيرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ فِي جِنَايَتِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ حُكْمُ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ مَا اسْتَهْلَكَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا جَنَاهُ عَمْدًا مِنْ الدِّمَاءِ.
(تَنْبِيهٌ)
قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ هَذَا أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَفِي الْمَجْنُونِ عَلَى حَدِّ سَوَاءٍ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهَا فِي الْمَجْنُونِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَفِي رَسْمٍ مُرْضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا قَبْلَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقِيلَ الْمَالُ هَدَرٌ كَالْمَجْنُونِ الْمُقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَجْرِي فِي الْمَجْنُونِ، وَلَمْ يَتَنَازَلْ ابْنُ عَرَفَةَ لِهَذَا الْبَحْثِ، وَإِنَّهُ لِمَنْ وَظِيفَتِهِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ اخْتَصَرَ هُنَا كَلَامَ ابْنِ شَاسٍ الْمُخْتَصِرِ لِكَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ، وَنَصُّهُ اُخْتُلِفَ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ، فَقِيلَ مَا أَصَابَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ هَدَرٌ كَالْبَهِيمَةِ الْعَجْمَاءِ الَّتِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُرْحَهَا جُبَارًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute