. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فَإِنْ قِيلَ أَبُو مُوسَى حَاكِمٌ عَدْلٌ وَقَدْ تَصَرَّفَ بِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ مَضْمُونًا فِي ذِمَّتِهِمَا فَإِسْلَافُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْثِهِ أَمَانَةً لَا تُضْمَنُ مُضَافًا إلَى إكْرَامِ مَنْ يَنْبَغِي إكْرَامُهُ، فَهُوَ تَصَرُّفٌ جَامِعٌ
لِلْمَصَالِحِ
فَيَتَعَيَّنُ تَنْفِيذُهُ، فَجَوَابُهُ أَنَّ عَدَمَ الِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ النُّظَرَاءِ مِنْ الْأُمَرَاءِ أَمَّا الْخَلِيفَةُ فَلَهُ النَّظَرُ فِي أَمْرِ نُوَّابِهِ، وَإِنْ كَانَ سَدَادًا أَوْ إنَّ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ تُهْمَةً تَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِسَبَبِ أَنَّهُ إكْرَامٌ لِابْنَيْهِ، فَأَرَادَ إبْطَالَهَا أَوْ الذَّبَّ عَنْ عِرْضِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَفِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ مَضْمُونًا إلَخْ نَظَرٌ لِأَنَّ دَفْعَهُ لِهَذَا الْقَصْدِ يَصِيرُ سَفْتَجَةً وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْعُهَا، وَلِذَا قَالَ الْبَاجِيَّ لَمْ يُرِدْ أَبُو مُوسَى " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " إحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْعَهُمَا بِالسَّلَفِ، وَإِنْ اقْتَضَى ضَمَانُهُمَا الْمَالَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ الْمُتَسَلِّفِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّفُ صَاحِبَ الْمَالِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ أَبٍ، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَلِّفَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لِيُحْرِزَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُتَسَلِّفِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَالْوَصِيُّ.
ثُمَّ قَالَ وَفِعْلُ أَبِي مُوسَى هَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِمُجَرَّدِ نَفْعِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَجَازَ لَهُ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَلَفَهُ لِنَفْسِهِ بِإِسْلَافِهِمَا إيَّاهُ، فَلَوْ تَلِفَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى، وَثَانِيهِمَا أَنَّ لِأَبِي مُوسَى النَّظَرَ فِي الْمَالِ بِالتَّثْمِيرِ وَالْإِصْلَاحِ، وَإِذَا أَسْلَفَهُ فَلِلْإِمَامِ تَعَقُّبُهُ فَتَعَقَّبَهُ عُمَرُ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " وَرَدَّهُ إلَى الْقِرَاضِ وَقَوْلُ عُمَرَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَكُلُّ الْجَيْشِ تَعَقُّبٌ مِنْهُ لِفِعْلِ أَبِي مُوسَى، وَنَظَرٌ فِي تَصْحِيحِ أَفْعَالِهِ وَتَبْيِينٌ لِمَوْضِعِ الْمَحْظُورِ مِنْهُ وَمَوْضِعِ الْمُحَابَاةِ مِنْ كَوْنِهِمَا ابْنَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا مِمَّا كَانَ عُمَرُ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " يَتَوَرَّعُ عَنْهُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ بَعْدَ احْتِجَاجِ عُبَيْدِ اللَّهِ إعْرَاضٌ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُبْضَعَ مَعَهُ يَضْمَنُ الْبِضَاعَةَ إذَا اشْتَرَى بِهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ دَخَلَهَا نَقْصٌ جَبَرَهُ وَرِبْحُهَا لِرَبِّ الْمَالِ.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَعَلَهُ قِرَاضًا وَقَدْ دَخَلَا عَلَى الْقَرْضِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَانَ لِعُمَرَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " إمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute