وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ
ــ
[منح الجليل]
لَا يُمَرُّ فِي الْمَسْجِدِ بِلَحْمٍ وَلَا يُنْقَرُ فِيهِ النَّبْلُ وَتُمْنَعُ الْمُقَاتَلَةُ فِيهِ. ابْنُ حَبِيبٍ يَعْنِي بِنَقْرِ النَّبْلِ إدَارَتَهَا عَلَى الظُّفْرِ لِيَعْلَمَ مُسْتَقِيمَهَا مِنْ مُعْوَجِّهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ الْفَرَّارَةَ الَّتِي أُحْدِثَتْ عِنْدَنَا بِمَسْجِدِ قُرْطُبَةَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً
(وَ) كُرِهَ (إنْشَادُ) بِكَسْرِ الْهَمْزِ، أَيْ تَعْرِيفُ وَطَلَبُ دَابَّةٍ (ضَالَّةٍ) بِمَسْجِدٍ لِحَدِيثِ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك» ، بَعْضُهُمْ وَنَشْدُهَا أَيْ طَلَبُ رَبِّهَا مَنْ وَجَدَهَا، وَالنَّهْيُ مُقَيَّدٌ بِرَفْعِ الصَّوْتِ. الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ الْبِدَعِ لَوْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ صَوْتَهُ وَسَأَلَ عَنْهَا جُلَسَاءَهُ غَيْرَ رَافِعٍ صَوْتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُسْنِ الْمُحَادَثَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ اهـ.
الْحَطّ أَرَادَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ مَرَّ عُمَرُ بِحَسَّانَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " يُنْشِدُ شِعْرًا فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إلَيْهِ، أَيْ أَوْمَأَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ أَنْ اُسْكُتْ، هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " كَرِهَ إنْشَادَ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَنَى رَحْبَةً خَارِجَهُ، وَقَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا فَلْيَخْرُجْ إلَى هَذِهِ الرَّحْبَةِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْإِجَازَةِ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ التَّفْصِيلُ، فَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ وَالذَّبِّ عَنْهُمَا كَشِعْرِ حَسَّانَ، أَوْ تَضَمَّنَ حَثًّا عَلَى خَيْرٍ فَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْكَذِبِ وَالْفَوَاحِشِ وَالتَّزَيُّنِ بِالْبَاطِلِ غَالِبًا، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَأَقَلُّ مَا فِيهِ اللَّغْوُ وَالْهَذَرُ وَالْمَسَاجِدُ تُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: ٣٦] ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» . اهـ نَقَلَهُ الْحَطّ.
طفي فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إنْشَادَ مَصْدَرُ أَنْشَدَ الرُّبَاعِيِّ، وَهُوَ تَعْرِيفُهَا وَنَشَدَ الثُّلَاثِيُّ، وَهُوَ طَلَبُهَا، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ، فَفِي الصِّحَاحِ نَشَدْت الضَّالَّةَ أَنْشُدُهَا نِشْدَةً وَنِشْدَانًا طَلَبْتهَا وَأَنْشَدْتهَا أَيْ عَرَّفْتهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَأْلُوفُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لُقَطَةِ مَكَّةَ «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» ، أَيْ مُعَرِّفٍ. «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ طَلَبَ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ أَيُّهَا النَّاشِدُ غَيْرُك الْوَاجِدُ» تَأْدِيبًا لَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute