وَهَتْفٌ بِمَيِّتٍ، وَرَفْعُ صَوْتٍ. كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ
ــ
[منح الجليل]
لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ إنَّ نَشَدَ وَأَنْشَدَ يُقَالَانِ لِلطَّلَبِ وَلِلتَّعْرِيفِ، وَإِنَّهُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَنَصُّهُ نَشَدَ الضَّالَّةَ نَشْدًا وَنِشْدَانًا وَنِشْدَةً بِكَسْرِهِمَا طَلَبَهَا، وَعَرَّفَهَا ثُمَّ قَالَ وَأَنْشَدَ الضَّالَّةَ عَرَّفَهَا وَاسْتَرْشَدَ عَمَّا ضَلَّ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ صَالِحٌ لِلْمَعْنَيَيْنِ.
(وَ) كُرِهَ (هَتْفٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ فَفَاءٍ، أَيْ صِيَاحٌ فِي الْأَخْبَارِ (بِ) مَوْتِ (مَيِّتٍ) بِمَسْجِدٍ أَوْ بَابِهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّذِيرُ بِمِصْرَ وَزَعَقَاتُ الْمُؤَذِّنِينَ فَمِنْ النَّعْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَالَهُ تت (وَ) كُرِهَ (رَفْعُ صَوْتٍ) بِعِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمَسْجِدٍ إلَّا لِلتَّبْلِيغِ. الْبَاجِيَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَجَهْرِ الْإِمَامِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُتَنَفِّلِ بِاللَّيْلِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا جَهْرُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَمْنُوعٌ. ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: ٢] كَرِهَ الْعُلَمَاءُ رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِحَضْرَةِ الْعَالِمِ وَفِي الْمَسَاجِدِ وَفِي هَذِهِ كُلِّهَا آثَارٌ، وَفِي قَوْلِهِ {لا تُقَدِّمُوا} [الحجرات: ١] ابْنُ أَبِي أَوْفَى أَيْ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَشْيِ، وَكَذَا بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ.
وَشَبَّهَ فِي الْكَرَاهَةِ فَقَالَ (كَرَفْعِهِ) أَيْ الصَّوْتِ (بِعِلْمٍ) فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْإِسْمَاعِ فَيُكْرَهُ فِي مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ فِي الْمَبْسُوطِ. ابْنُ الْقَاسِمِ رَأَيْت مَالِكًا " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " يَعِيبُ عَلَى أَصْحَابِهِ رَفْعَ أَصْوَاتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ. ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْمَسْجِدِ وَالْهَتْفُ بِالْمَيِّتِ بِهِ، وَكُلُّ مَا يُرْفَعُ بِهِ الصَّوْتُ حَتَّى بِالْعِلْمِ فَقَدْ كُنْت رَأَيْت بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِيرَهَا، يَقِفُ بِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي مَجْلِسِهِ إذَا اسْتَعْلَى كَلَامَهُ وَكَلَامَ أَهْلِ مَجْلِسِهِ فِي الْعِلْمِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا أَبَا مَرْوَانَ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِك، وَأْمُرْ جُلَسَاءَك يَخْفِضُونَ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْعِلْمِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ، وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ هُنَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْكَرَاهَةِ فَيَنْبَغِي حَمْلَهَا عَلَى الْمَنْعِ كَمَا قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute