للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَهْلٍ لِلتَّمَلُّكِ: كَمَنْ سَيُولَدُ،

ــ

[منح الجليل]

أَيْ وَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ حَبَّسَ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ حَبَسَ مُخَفَّفًا وَحَبَّسَ مُشَدَّدًا. اهـ. فَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ حَبَسَ بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى حَبَّسَ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ الْوَقْفُ، فَصَحَّ مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ هَذَا إنْ كَانَا نَقَلَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ حَبَسَ، وَإِنْ كَانَا نَقَلَاهُ بِلَفْظِ احْتَبَسَ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَحَرَّفَهُ النُّسَّاخُ، فَمَعْنَى احْتَبَسَ أَوْقَفَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَصَحَّ مَا قَالَاهُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَصْلٌ فِي تَحْبِيسِ مَا سِوَى الْأَرْضِ، وَكَذَا حَدِيثُ خَالِدٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِيمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ حَبَسَ، فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَصَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ (عَلَى أَهْلٍ) أَيْ قَابِلٍ وَصَالِحٍ (لِلتَّمَلُّكِ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمِيمِ وَضَمِّ اللَّامِ مُثَقَّلَةً، أَيْ لَأَنْ يَمْلِكَ مَنْفَعَةَ الْمَوْقُوفِ، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مُصْحَفٍ أَوْ رَقِيقٍ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ الْحَطّ هَذَا الضَّابِطُ لَيْسَ بِشَامِلٍ لِخُرُوجِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ مِنْهُ، وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ مَا جَازَ صَرْفُهُ مَنْفَعَةَ الْمُحَبَّسِ لَهُ أَوْ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا رَدَّهُ اعْتَبَرَ قَبُولَهُ ابْنُ شَاسٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، قَبُولُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَهْلًا لِلرَّدِّ وَالْقَبُولِ، وَفِي كَوْنِ قَبُولِهِ شَرْطًا فِي اخْتِصَاصِهِ بِهِ أَوْ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ خِلَافٌ.

وَمَثَّلَ لِأَهْلِ التَّمَلُّكِ فَقَالَ (كَمَنْ سَيُولَدُ) بِفَتْحِ اللَّامِ. ابْنُ عَرَفَةَ الْمُتَيْطِيُّ الْمَشْهُورُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ عَلَى الْحَمْلِ. ابْنُ الْهِنْدِيِّ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْحَمْلِ، وَالرِّوَايَاتُ وَاضِحَةٌ بِصِحَّتِهِ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ، وَبِهَا احْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى صِحَّتِهِ عَلَى الْحَمْلِ وَفِي لُزُومِهِ بِعَقْدِهِ عَلَى مَنْ يُولَدُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لِنَقْلِ الشَّيْخِ. رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ لِمَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ بَيْعُ مَا حَبَّسَهُ مَا لَمْ يُولَدْ لَهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَائِلًا: لَوْ جَازَ لَجَازَ بَعْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ وَمَوْتِهِ، قُلْت يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَ بِوُجُودِهِ اسْتَمَرَّ ثُبُوتُهُ لِوُجُودِ مُتَعَلَّقِهِ وَقَبْلَهُ لَا وُجُودَ لِمُتَعَلَّقِهِ حُكْمًا، وَالْأَوْلَى احْتِجَاجُ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ حَبْسٌ قَدْ صَارَ عَلَى مَجْهُولِ مَنْ يَأْتِي، فَصَارَ مَوْقُوفًا أَبَدًا، وَمَرْجِعُهُ لِأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُحَبِّسِ، وَلَهُمْ فِيهِ مُتَكَلَّمٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>