للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ حَبْسُهَا بَعْدَهُ أَوْ التَّصَدُّقُ أَوْ التَّمَلُّكُ وَلَوْ بِمَكَّةَ

ــ

[منح الجليل]

(وَلَهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ (حَبْسُهَا) أَيْ إبْقَاءُ اللُّقَطَةِ عِنْدَهُ وَدِيعَةً لِرَبِّهَا (أَوْ التَّصَدُّقُ) بِهَا عَنْ رَبِّهَا، وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّمَلُّكِ.

(أَوْ التَّمَلُّكُ) لَهَا أَيْ اقْتِرَاضُهَا لِنَفْسِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا دَفَعَهَا لَهُ فِي الْأَوَّلِ وَغَرِمَ لَهُ عِوَضَهَا فِي الْأَخِيرَيْنِ. الْجَلَّابِ إنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَأْتِ طَالِبُهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْفَقَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا وَضَمِنَهَا أَوْ حَبَسَهَا لِيَأْتِيَ رَبُّهَا اللَّخْمِيُّ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا. وَفِي الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ تُعَرِّفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَفِي النَّسَائِيّ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ خِلَافُهُ قَبْلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَيْضًا. وَفِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَنِيِّ، فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَضْمَنَهَا. ابْنُ وَهْبٍ قُلْت لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا شَأْنُهُ بِهَا قَالَ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا، وَإِنْ شَاءَ اسْتَنْفَقَهَا، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ بَعْدَ الْحَوْلِ، هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وَقَوْلُهُ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا وَتَمَلُّكُهَا بَعْدَ السَّنَةِ إنْ الْتَقَطَهَا بِغَيْرِ مَكَّةَ، بَلْ (وَلَوْ) الْتَقَطَهَا (بِمَكَّةَ) حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

الْمَازِرِيُّ حُكْمُ لُقَطَةِ مَكَّةَ حُكْمُ لُقَطَةِ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى خِلَافِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ لُقَطَتَهَا لَا تُمْلَكُ لِخَبَرِ لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيَّ هَذَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ إلَّا بِمَكَّةَ إذْ لُقَطَتُهَا لَا تُسْتَبَاحُ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً، وَعَلَى مُلْتَقِطِهَا تَعْرِيفُهَا أَبَدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» . ابْنُ زَرْقُونٍ كَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ. وَلِابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ". لُقَطَةُ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» تَأْكِيدًا لِلْإِعْلَامِ لِسَنَةِ اللُّقَطَةِ لِكَثْرَتِهَا بِمَكَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>