للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَامِنًا فِيهِمَا

: كَنِيَّةِ أَخْذِهَا قَبْلَهَا

ــ

[منح الجليل]

الْمَازِرِيُّ حُكْمُ لُقَطَةِ مَكَّةَ حُكْمُ لُقَطَةِ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْرِيفِ لِرُجُوعِ رَبِّهَا لِبَلَدِهِ وَعَدَمِ عَوْدِهِ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا لَهُ. عِيَاضٌ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ كَغَيْرِهَا. اللَّخْمِيُّ ابْنُ الْقَصَّارِ حُكْمُ اللُّقَطَةِ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - " لُقَطَةُ مَكَّةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِمَنْ يُعَرِّفُهَا وَهُوَ أَبْيَنُ لِلْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ، فَلَوْ كَانَتْ كَغَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى. وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِأَنَّ غَالِبَ مَنْ حَجَّ عَدَمُ رُجُوعِهِ لِمَكَّةَ فِي عَامِهِ، بَلْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، فَلَا يَكُونُ مُرُورُ السَّنَةِ دَلِيلًا عَلَى الْإِيَاسِ مِنْ رَبِّهَا. ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لُقَطَةُ مَكَّةَ كَسَائِرِ اللُّقَطِ، وَتَكَلَّمَ عُلَمَاؤُنَا فِي الِاحْتِجَاجِ لَهُ وَالِانْفِصَالِ عَنْ الْحَدِيثِ، وَلَمْ أَرَ مُخَالَفَةَ الْحَدِيثِ وَلَا تَأْوِيلَ مَا لَا يَقْبَلُهُ.

قُلْت وَالِانْفِصَالُ عَنْ الْحَدِيثِ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مِنْ تَقْدِيمِهِ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَاضِحٌ، وَيُقَالُ جَاءَ الْحَدِيثُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّعْرِيفِ بِمَكَّةَ لِغَلَبَةِ تَفَرُّقِ الْحُجَّاجِ مُشَرِّقِينَ وَمُغَرِّبَيْنِ وَمَدِّ الْمَطَايَا أَعْنَاقَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا كَغَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ صَاحِبِهَا بِمَكَّةَ أَوْ تَوْكِيلِهِ مُقِيمًا بِهَا عَلَيْهَا حَالَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ الْمُتَمَلِّكِ بَعْدَ السَّنَةِ (ضَامِنًا) اللُّقَطَةَ لِمُسْتَحِقِّهَا إذَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ (فِيهِمَا) أَيْ التَّصَدُّقِ وَالتَّمَلُّكِ.

وَشَبَّهَ فِي الضَّمَانِ فَقَالَ (كَنِيَّةِ) الْمُلْتَقِطِ لِ (أَخْذِهَا) أَيْ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ (قَبْلَ) تَمَامِ (هَا) أَيْ السَّنَةِ.

ابْنُ الْحَاجِبِ هِيَ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَنْوِ اخْتِزَالَهَا فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ، وَفِيهَا إذَا ضَاعَتْ اللُّقَطَةُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ فَلَا يَضْمَنُهَا. أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَخَذْتهَا لِتَذْهَبَ بِهَا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لَا أَعْرِفُهَا صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ. أَشْهَبُ بِلَا يَمِينٍ قَرَّرَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِمَا تَقَدَّمَ وَدَرَج عَلَيْهِ فِي شَامِلِهِ فَقَالَ وَلَوْ نَوَى أَكْلَهُ قَبْلَ الْعَامِ ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ اهـ. الشَّارِحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إذَا تَلِفَ بَعْدَهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ قَالَ الْمَشْهُورُ أَنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقَارِنَهَا فِعْلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ قَبْلَهَا لِلُّقَطَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا وَجَدَ اللُّقَطَةَ نَوَى أَخْذَهَا لِتَمَلُّكِهَا قَبْلَ الْتِقَاطِهَا وَتَبِعَهُ الْبِسَاطِيُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>