. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشُّيُوخِ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ تَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ. ابْنُ عَرَفَةَ إنْ أَرَادَ مَعَ وُجُودِ ذِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ مَعَ فَقْدِهِ فَظَاهِرُ أَقْوَالِهِمْ صِحَّةُ تَوْلِيَتِهِ خَوْفَ تَعْطِيلِ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ.
(تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: الْبِسَاطِيُّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي إمْكَانَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ، فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَدِلَّةِ فَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ الْمَازِرِيُّ وَصَلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ مَبْدَؤُهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ أَيْضًا. الْحَطّ تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِي إمْكَانِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا أَظُنُّهُ انْقَطَعَ بِالْمَشْرِقِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ نُسِبَ إلَى الِاجْتِهَادِ فِي حَيَاةِ أَشْيَاخِنَا، وَمَوَادُّ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِنَا أَيْسَرُ مِنْهَا فِي زَمَانِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَا الْهِدَايَةَ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِلْمِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَ فِي التَّوْضِيحِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ دُوِّنَتْ، وَكَذَا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي سَمَاعِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ شَهْرًا. فَإِنْ قِيلَ يَحْتَاجُ الْمُجْتَهِدُ إلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ فِي زَمَنِنَا لِكَثْرَةِ الْمَذَاهِبِ وَتَشَعُّبِهَا. قِيلَ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، إذْ الْمَقْصُودُ الِاحْتِرَازُ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مُتَيَسِّرٌ اهـ. ابْنُ عَرَفَةَ يُسْرُ الِاجْتِهَادِ سَمِعْت ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْكِيهِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ، إذْ قِرَاءَةُ مِثْلِ الْجُزُولِيَّةِ وَالْمَعَالِمِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الْكُبْرَى لِعَبْدِ الْحَقِّ وَنَحْوِهَا يَكْفِي فِي تَحْصِيلِ آلَةِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى فَهْمِ مُشْكِلِ اللُّغَةِ بِمُخْتَصَرِ الْعَيْنِ، وَنَحْوِ صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ نَظَرِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَتَحْقِيقِ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَبُلُوغِ دَرَجَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ مُقَارَبَتِهَا فِي الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ لَا تُشْتَرَطُ فِي الِاجْتِهَادِ إجْمَاعًا الْفَخْرُ فِي مَحْصُولِهِ وَالسَّرَّاجُ فِي تَحْصِيلِهِ وَالتَّاجُ فِي حَاصِلِهِ لَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَاحِدٌ لَكَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً، فَاسْتِعَاذَتُهُمْ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمْ، وَالْفَخْرُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute