وَرَفَعَ الْخِلَافَ،
ــ
[منح الجليل]
وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ السُّيُورِيِّ فَفَسَخَهُ وَفَسَخَ الْغُبْرِينِيُّ حُكْمَ حَاكِمٍ بِقَوْلٍ شَاذٍّ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَلَا مَعْرِفَةِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّاذِّ وَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْهُ وَيُفْسَخُ حُكْمُهُ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْقُضَاةِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ وَجْهُهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ تَرْجِيحُهُ وَلَيْسَ هَذَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا، بَلْ لَا يَعْرِفُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ النَّصَّ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُونَ بِالتَّخْمِينِ نَقَلَهُ طفي فِي أَجْوِبَتِهِ عَنْ الدُّرَرِ الْمَكْنُونَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ الْعُقْبَانِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَرَفَعَ) حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي نَازِلَةٍ فِيهَا أَقْوَالٌ لِلْأَئِمَّةِ بِقَوْلٍ مِنْهَا فَيَرْفَعُ (الْخِلَافَ) أَيْ الْعَمَلَ وَالْفَتْوَى فِي عَيْنِ تِلْكَ النَّازِلَةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ فِيهَا. " غ " الْقَرَافِيُّ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلٌ وَاحِدٌ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ: ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ اسْتَفْتَى الْمُخَالِفَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا فَلَا يُسَوَّغُ لَهُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ الْحُكْمُ فِيهَا بِقَوْلِ قَائِلٍ، وَمَضَى الْعَمَلُ بِهِ فِيهَا وَإِنْ اسْتَفْتَى فِي مِثْلِهَا قَبْلَ الْحُكْمِ فِيهِ أَفْتَى بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ، ثُمَّ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ، وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ، ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِبُطْلَانِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ، فَاَلَّذِي كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ يُنْفِذُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُنْفِذُهُ وَلَا يُمْضِيهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ يَحْكِي عَنْ شَيْخِهِ الْعَكْرَمِيِّ عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ عَلَيْك بِقَوَاعِدِ الْقَرَافِيِّ وَلَا تَقْبَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute