وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ، إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ
وَلَا يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ،
ــ
[منح الجليل]
ثَبَتَ هَذَا وَنَظَرْنَا وَجَدْنَا حُكْمَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ النَّاكِحِ فِي الْعِدَّةِ غَيْرَ رَافِعٍ لِنَفْسِ مُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ حُكْمِهِ بِالذَّاتِ الْفَسْخُ وَالتَّحْرِيمُ تَابِعٌ لَهُ، فَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ مَنْعِ حُكْمِ الثَّانِي فِيهَا وَوَجَدْنَا حُكْمَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ رَافِعًا لِنَفْسِ مُتَعَلِّقِ حُكْمِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ بِالذَّاتِ، وَهُوَ تَحْرِيمُ رَضَاعِ الْكَبِيرِ، وَفَسْخُ نِكَاحِهِ تَابِعٌ لِهَذَا الْمُتَعَلِّقِ بِالذَّاتِ، لَا أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ حُكْمِهِ بِالذَّاتِ، فَيَجِبُ مَنْعُ حُكْمِ الثَّانِي عَمَلًا بِالْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِمَنْعِهِ.
الْحَطّ بَحْثُ ابْنُ عَرَفَةَ مَعَ ابْنِ شَاسٍ وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمِهِ بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ، إذْ لَا مُوجِبَ لِلْفَسْخِ سِوَاهُ، فَحُكْمُ الثَّانِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي رَافِعٌ لِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ، فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِفَسْخِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا، لِأَنَّ الْفَسْخَ لِكَوْنِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا، وَتَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَسْتَلْزِمُهُ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ أَمْ لَا. وَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ نَعَمْ فِي عِبَارَةِ ابْنِ شَاسٍ أَنَّ الْقَاضِيَ فَسَخَ نِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ وَحَرَّمَهَا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَحَرَّمَهَا أَنَّهُ حَكَمَ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْفَسْخِ فَمَا قَالُوهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِتَأْبِيدِ حُرْمَتِهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ حُكْمُ الْقَاضِي الثَّانِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي، وَلَعَلَّهُمْ فَهِمُوا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ. وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الثَّانِي.
(وَلَا يَدْعُو) الْقَاضِي الْخَصْمَيْنِ (لِصُلْحٍ إنْ) كَانَ (ظَهَرَ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي بِنَظَرِهِ فِي خُصُومَتِهِمَا (وَجْهُهُ) أَيْ الْحَقِّ لِأَحَدِهِمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ خَصْمِهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَشْتَمِلُ غَالِبًا عَلَى إسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ، فَفِي الدُّعَاءِ لَهُ هَضْمٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ مَا لَمْ يَخْشَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ أَوْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْفَضْلِ أَوْ الرَّحِمِ كَمَا تَقَدَّمَ. اللَّخْمِيُّ لَا يَدْعُو إلَى الصُّلْحِ إذَا تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرَى لِذَلِكَ وَجْهًا، وَأَنَّهُ مَتَى حَكَمَ تَفَاقَمَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَخُشِيَتْ الْفِتْنَةُ.
(وَلَا يَسْتَنِدُ) الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ (لِعِلْمِهِ) أَيْ الْقَاضِي السَّابِقِ عَلَى مَجْلِسِ قَضَائِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute