. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
تَنْبِيهَاتٌ)
الْأَوَّلُ: الْحَطّ هَذَا الْخِلَافُ فِي الدَّعْوَى مِمَّنْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ كَمَنْ سَبَقَتْ لَهُ يَدٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَنْ لَهُ فِيهِ تَعَلُّقٌ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ، فَهَلْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ كَلَامًا شَافِيًا، وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ نُصُوصُ الْمَذْهَبِ الْآتِي ذِكْرُهَا أَنْ تُلَخَّصَ قَاعِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَتُجْعَلَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، وَهِيَ أَنَّ هَذَا الْمُدَّعِيَ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ وَصَارَ مُطَالَبًا بِهِ فَلَهُ الْمُخَاصَمَةُ فِيهِ وَالدَّعْوَى وَإِثْبَاتُ مِلْكِ الْغَائِبِ وَتَسَلُّمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضَمَانِهِ فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ فِي ذِمَّةِ مَالِكِهِ الْغَائِبِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ وَيُثْبِتَ مِلْكَ الْغَائِبِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الدَّعْوَى، فَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْغَاصِبُ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ آخَرُ وَالْمُسْتَعِيرُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ كَذَلِكَ وَالْحَمْلُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ، سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعُمَّالِ أَكْرَهَ رَجُلًا أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ رَجُلٍ يُخْرِجَ مِنْهُ مَتَاعَهُ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فَأَخْرَجَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ عُزِلَ ذَلِكَ الْعَامِلُ الْغَاصِبُ ثُمَّ أَتَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَتَاعُ فَطَلَبَ مَا غُصِبَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا إنْ شَاءَ الْآمِرَ، وَإِنْ شَاءَ الْمَأْمُورَ فَقَالَ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. قِيلَ لَهُ فَإِنْ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْعَامِلِ الَّذِي أَكْرَهَهُ عَلَى الدُّخُولِ، فَقَالَ نَعَمْ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ عُزِلَ الْأَمِيرُ الْغَاصِبُ وَغَابَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْمَتَاعُ فَقَامَ الْمُكْرَهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ عَلَى الْأَمِيرِ الْغَاصِبِ لِلْمَتَاعِ لِيُغَرِّمَهُ إيَّاهُ وَقَالَ أَنَا الْمَأْخُوذُ بِهِ إذَا جَاءَ صَاحِبُهُ فَهَلْ يُعَدَّى عَلَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ.
مُحَمَّدٌ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْمَخْلُوقِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ لَا يَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِمَخْلُوقٍ مِنْ الْأَقْوَالِ بِاتِّفَاقٍ، وَمِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى اخْتِلَافٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ يُقْضَى لِلْمُكْرَهِ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الرَّجُلِ عَلَى الْعَامِلِ بِالْمَالِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ، فَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِتَغْرِيمِهِ إيَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute