للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْقَوَدُ عَيْنًا،

ــ

[منح الجليل]

مَنْ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُ دِيَتُهَا فَعَلَيْهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي هَذَيْنِ إنْ قُتِلَا خَطَأً، وَإِنْ قُطِعَ لَهُمَا عُضْوٌ فَلَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وَجَبَ فِي النَّفْسِ لَا فِي الْعُضْوِ.

الشَّيْخُ عِيسَى مَنْ اغْتَاظَ مِنْ ذِمِّيٍّ شَتَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَتَلَهُ، فَإِنْ كَانَ شَتْمًا يُوجِبُ قَتْلَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ وَضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا. وَفِي التَّوْضِيحِ نَصَّ عَلَى نَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَلَوْ نَصْرَانِيًّا. اهـ. وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ دِيَةَ الْمُرْتَدِّ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْقِصَاصَ هُنَا، وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِي الدِّيَةِ، وَنَفْيُ أَحَدِهِمَا لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْآخَرِ، وَأَمَّا الزَّانِي الْمُحْصَنُ فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَكَأَنَّ قَاتِلَهُ قَتَلَ كَافِرًا مُحَرَّمَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ اهـ.

(تَنْبِيهَانِ)

الْأَوَّلُ: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ مِقْدَارُ أَدَبِهِمْ، فَمَنْ طَلَبَ السِّتْرَ عَلَيْهِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ فَالْجُرْأَةُ عَلَى الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ أَشَدُّ وَكُفْرُ الزَّنْدَقَةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الِارْتِدَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِي: أَبُو الْحَسَنِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُنْصِفُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ حَقِّهِ. أَبُو عِمْرَانَ الَّذِي قَتَلَ وَلِيِّهِ رَجُلٌ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَقْتُلُ الْوَلِيُّ قَاتِلَ وَلِيِّهِ غِيلَةً أَوْ بِاحْتِيَالٍ، فَإِنَّهُ لَا أَدَبَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُلْطَانٌ يُنْصِفُهُ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ. وَجَوَابُ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ مَعْصُومًا (فَالْقَوَدُ) أَيْ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُودُونَ الْجَانِيَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ تَبَرِّيًا مِنْ شَرِّهِ (عَيْنًا) أَيْ مُتَعَيِّنًا لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ أَخَذَ حَقَّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَفْوُهُ أَوْلَى وَأَكْمَلُ، وَرَوَى أَشْهَبُ تَخْيِيرُهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ حَقَّهُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ، وَإِمَّا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>