للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

قَبُولُ الدَّعْوَى بِلَا بَيِّنَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدَّمَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا فَلَا يُقْبَلُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَأَى عُلَمَاؤُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا تُشْبِهُ دَعْوَى الْمَالِ وَلَا غَيْرَهُ لِأَنَّ هَذَا أَصْلٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَعِظَمُ الدَّمِ يُؤَيِّدُ قَبُولَ قَوْلِ الْمَقْتُولِ، إذْ يُقَالُ لَعَلَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْقَوْلَ فِيهَا لِلْمُدَّعِي لِعِظَمِهَا وَانْتِظَارُ الْبَيِّنَةِ يُؤَدِّي لِتَضْيِيعِهَا، إذْ أَكْثَرُ مَا تَكُونُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ خَفِيَّةً وَمَنْ تَحَقَّقَ مَصِيرُهُ إلَى الْآخِرَةِ وَأَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَلَا يُتَّهَمُ بِإِرَاقَةِ دَمِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي هَذَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ غَلَبَةِ الظَّنِّ فِي الشَّاهِدِ، وَكَيْفَ وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ عِنْدَ الْمَوْتِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالنَّدَمُ عَلَى التَّفْرِيطِ وَرَدُّ الْمَظَالِمِ، فَكَيْفَ يَتَزَوَّدُ مِنْ دُنْيَاهُ قَتْلَ النَّفْسِ، هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمُعْتَادُ مَعَ التَّشْدِيدِ بِكَوْنِهَا خَمْسِينَ يَمِينًا مُغَلَّظَةً احْتِيَاطًا فِي صِيَانَةِ الدَّمِ، وَمَدَارُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ.

ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا قَوْلُ الْمَيِّتِ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا حُرًّا، وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً، قَتَلَنِي فُلَانٌ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ ذِمِّيًّا عَمْدًا لَوْثٌ، وَإِنْ قَالَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَذَكَرَ رَجُلًا أَوْرَعَ أَهْلِ بَلَدِهِ أَقْسَمَ مَعَ قَوْلِهِ. ابْنُ حَارِثٍ إنْ رَمَى بِدَمِهِ مُتَّهَمًا مُسْتَتِرًا أَقْسَمَ بِقَوْلِهِ اتِّفَاقًا وَقُتِلَ الْمَرْمِيُّ وَإِنْ رَمَى بِذَلِكَ أَصْلَحَ أَهْلِ بَلَدِهِ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِهِ، فَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فَيُقْسِمُ وَرَثَتُهُ وَيَقْتُلُونَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَا أَرَى قَبُولَ قَوْلِهِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ تَرَكَ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَمَلَ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا، وَصَارَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ صَوَابٌ، وَتَوَقَّفَ ابْنُ بَقِيٍّ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ الْقَوْلِ فِي التَّدْمِيَاتِ.

قُلْت فَفِي إعْمَالِ قَوْلِ الْمَيِّتِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ مُطْلَقًا وَلَغْوُهُ، ثَالِثُهُمَا مَا لَمْ يَدَعْهُ عَلَى مَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ لِفَضْلِهِ وَصَلَاحِهِ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَقِيٍّ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّوْجَةَ فِي تَدْمِيَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلِابْنِ هِشَامٍ وَابْنِ عَاتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>