كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى، وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ،
ــ
[منح الجليل]
وَلَمْ يَتُبْ فَيُقْتَلْ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِه عَلَى الرِّدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَسْلَمَ كُرْهًا بِأَنْ أُكْرِه عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ جِزْيَةٌ أَوْ ضِيقٌ أَوْ ظُلْمٌ أَوْ جَوْرٌ أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ لَا يُقْتَلُ، وَيُؤْمَرُ بِالْإِسْلَامِ وَيُحْبَسُ وَيُضْرَبُ.
ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا غَلَطٌ إذْ أَكْثَرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ كَانَ إسْلَامُهُمْ كُرْهًا، وَكَفَى بِالْأَسِيرِ الَّذِي يُقَرَّبُ لِضَرْبِ عُنُقَهُ فَيُسْلِمُ أَيُقَالُ مِنْ إسْلَامِهِ هَذَا، وَكَذَا قَالَ الْأَخَوَانِ. الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْ قُرْبٍ وَقَالَ إنَّمَا أَسْلَمْت عَنْ ضِيقٍ عَلَيَّ، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ ضِيقٍ نَالَهُ أَوْ خَوْفٍ أَوْ شَبَهِهِ فَعَسَى أَنْ يُعْذَرَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. أَشْهَبُ لَا عُذْرَ لَهُ وَيُقْتَلُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ ضِيقٍ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ قَوْلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إلَى أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ خَوْفِهِ، فَهَذَا يُقْتَلُ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ.
وَشَبَّهَ فِي قَبُولِ الْعُذْرِ إنْ ظَهَرَ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (تَوَضَّأَ) الْكَافِرُ وُضُوءًا شَرْعِيًّا (وَصَلَّى) صَلَاةً شَرْعِيَّةً مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ إمَامًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَالَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِضِيقٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِذَارُهُ إنْ ظَهَرَ مَا اعْتَذَرَ بِهِ (وَأَعَادَ مَأْمُومُهُ) صَلَاتَهُ وُجُوبًا أَبَدًا ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، سَمِعَ يَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَنْ صَحِبَ قَوْمًا يُصَلِّي بِهِمْ إمَامًا أَيَّامًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ أَعَادُوا مَا صَلَّوْا خَلْفَهُ أَبَدًا وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَخَافُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَتَسَتَّرَ بِذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَيُعِيدُونَ صَلَاتَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُعِيدُ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ وَأَعَادُوا. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُقْتَلُ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ لِأَنَّهُ رَأَى صَلَاتَهُ مُجُونًا وَعَبَثًا فَعَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَدَبُ الْمُؤْلِمُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْإِعَادَةِ أَبَدًا، وَقَالَا ذَلِكَ مِنْهُ إسْلَامٌ، وَسَوَاءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا كَانَ بِمَوْضِعٍ آمِنٍ أَمْ لَا مِثْلُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي رَسْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute