وَلَهُ، حَدُّ أَبِيهِ وَفُسِّقَ
ــ
[منح الجليل]
الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي الزَّوْجَةِ لَا أَرَى عَلَيْهَا شَيْئًا لِأَنَّهَا تَقُولُ أَرَدْت إصَابَتَهُ إيَّايَ بِالنِّكَاحِ وَيُجْلَدُ الزَّوْجُ الْحَدَّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ.
قَالَ عِيسَى لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا لِعَانَ، وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ، فَقَدْ اعْتَرَضَهُ الْحَطّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهَا، وَلَعَلَّ نُسْخَتَهُ لِامْرَأَتِهِ بِالضَّمِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَنَصُّهَا مَنْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ بِكَ حُدَّتْ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ الزِّنَا فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ فَقَطْ، وَلَا يُحَدُّ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا صَدَّقَتْهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْفَرْقِ هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ، وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ قَذَفَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ فَ (لَهُ) أَيْ الْوَلَدِ (حَدُّ أَبِيهِ) إنْ صَرَّحَ بِقَذْفِهِ (وَفُسِّقَ) الْوَلَدُ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، أَيْ حُكِمَ بِفِسْقِهِ بِحَدِّ أَبِيهِ بِقَذْفِهِ، وَاسْتُشْكِلَ تَفْسِيقُهُ مَعَ الْحُكْمِ بِإِبَاحَةِ حَدِّهِ أَبَاهُ بِقَذْفِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَفْسِيقِهِ سُقُوطُ عَدَالَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْمُبَاحِ كَالْمَشْيِ حَافِيًا وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ. الْحَطّ هَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِرِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَأَنْ يَحُدَّهُ وَيَكُونُ عَاقًّا بِذَلِكَ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْهَا.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسَحْنُونٌ لَا يُقْضَى لَهُ بِتَحْلِيفِهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ وَلَا مِنْ حَدِّهِ فِي حَدٍّ يَقَعُ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُقُوقِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " فِي الْيَمِينِ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْحَدِّ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ كَرِهَ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ خُصُومَةٌ أَنْ يُحَلِّفَهُ. ابْنُ رُشْدٍ لِهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ وَلَا يَكُونُ عَاقًّا لَهُ بِتَحْلِيفِهِ إذْ لَا إثْمَ فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الثَّمَانِيَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْبَغَ فِي الْمَبْسُوطِ الْحَطّ فَتَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ أَبَاهُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute