وَالْحُدُودُ بِسَوْطٍ وَضَرْبٍ: مُعْتَدِلَيْنِ
قَاعِدًا، بِلَا رَبْطٍ، وَشَدِّ يَدٍ
ــ
[منح الجليل]
لِمَا جَاءَ فِي الْخَمْرِ أَنَّهَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الْبَوْلِ إلَّا أَنَّهُ نَجِسٌ، وَفِي زَاهِي ابْنِ شَعْبَانَ يُتَعَالَجُ بِالْمُسْكِرِ وَإِنْ غُسِلَ بِالْمَاءِ، وَلَا يُدَاوَى بِهِ دُبُرُ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الدَّوَاءُ الَّذِي فِيهِ الْخَمْرُ فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ تَرَدَّدَ فِيهِ عُلَمَاؤُنَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَاءٌ» .
(وَالْحُدُودُ) الَّتِي بِالْجِلْدِ كُلُّهَا (بِضَرْبٍ) لَا رَمْيٍ وَلَا حَذْفٍ (وَسَوْطٍ) لَا عَصًا. الْجُزُولِيُّ إنَّمَا يُضْرَبُ بِسَوْطٍ وَصِفَتُهُ كَوْنُهُ مِنْ جِلْدٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ رَأْسَانِ، وَكَوْنُ رَأْسِهِ لَيِّنًا وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى، وَلَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ عَقْدَ التِّسْعِينَ وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُؤَخِّرُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَدِرَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَتْ لِلتَّأْدِيبِ (مُعْتَدِلَيْنِ) أَيْ مُتَوَسِّطَيْنِ، فَاعْتِدَالُ الضَّرْبِ بِكَوْنِهِ مِنْ رَجُلٍ مُتَوَسِّطِ الْقُوَّةِ لَا شَدِيدِهَا وَلَا ضَعِيفِهَا، وَكَوْنُهُ مِنْهُ لَا فِي غَايَةِ التَّشْدِيدِ وَلَا فِي غَايَةِ التَّخْفِيفِ وَاعْتِدَالُ السَّوْطِ كَوْنُهُ لَيْسَ جَدِيدًا وَلَا بَالِيًا.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ صِفَةُ الضَّرْبِ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْفِرْيَةِ وَالتَّعْزِيرِ ضَرْبٌ وَاحِدٌ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ وَلَا بِالْخَفِيفِ، وَلَمْ يَحُدَّ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضَمَّ الضَّارِبِ يَدَهُ إلَى جَنْبِهِ، وَلَا يُجْزِي فِي الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ قَضِيبٌ وَشِرَاكٌ وَدِرَّةٌ لَكِنْ السَّوْطُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلتَّأْدِيبِ، وَصِفَةُ عَقْدِ تِسْعِينَ أَنْ يَعْطِفَ السَّبَّابَةَ حَتَّى تَلْقَى الْكَفَّ وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إلَيْهَا أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ. الْبَاجِيَّ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَتَوَلَّى ضَرْبَ الْحَدِّ قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ وَلَكِنْ وَسَطٌ مِنْ الرِّجَالِ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كُنْت أَسْمَعُ أَنَّهُ يُخْتَارُ لَهُ الْعَدْلُ وَيَضْرِبُ عَلَى الظَّهْرِ وَالْكَتِفَيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْمَحْدُودُ قَاعِدٌ لَا يُرْبَطُ، لَا يُمَدُّ وَتُخْلَى لَهُ يَدَاهُ. وَلِأَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ ضُرِبَ عَلَى ظَهْرِهِ بِالدِّرَّةِ أَجْزَأَ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ حَالَ كَوْنِ الْمَحْدُودِ (قَاعِدًا) لَا قَائِمًا وَلَا مَمْدُودًا (بِلَا رَبْطٍ) لَهُ بِشَيْءٍ (وَ) بِلَا (شَدٍّ) أَيْ رَبْطٍ أَوْ مَسْكِ (يَدٍ) مِنْ الْمَحْدُودِ إلَّا أَنْ يَضْطَرِبَ اضْطِرَابًا لَا يَصِلُ الضَّرْبُ مَعَهُ إلَى مَوْضِعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute