للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ نَظَرَ لَهُ مِنْ كَوَّةٍ فَقَصَدَ عَيْنَهُ فَالْقَوَدُ، وَإِلَّا فَلَا:

ــ

[منح الجليل]

يَدَك حَتَّى يَقْضَمَهَا ثُمَّ انْتَزَعَهَا» . الْقُرْطُبِيُّ هُوَ أَمْرٌ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «بِمَ تَأْمُرُنِي تَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَهُ أَنْ يَدَعَ يَدَهُ فِي فِيك تَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ» ، فَمَعْنَاهُ أَنَّك لَا تَدَعُ يَدَك فِي فِيهِ يَقْضَمُهَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ. اهـ. زَادَ النَّوَوِيُّ فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَيْهِ نَزْعَ يَدِهِ مِنْ فِيك وَتَطْلُبُ بِمَا جَنَى فِي جَبْذَتِهِ.

وَيَقْضَمُهَا بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مُضَارِعُ قَضِمَ بِكَسْرِهَا، يُقَالُ قَضِمَتْ الدَّابَّةُ شَعِيرَهَا إذَا أَكَلَتْهُ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهَا. وَخَضَمَتْهُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ إذَا أَكَلَتْهُ بِفِيهَا كُلِّهِ، وَقِيلَ الْخَضْمُ أَكْلُ الرُّطَبِ، وَالْقَضْمُ أَكْلُ الْيَابِسِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَسَنِ يَخْضِمُونَ وَيَقْضِمُونَ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيَامَةُ، وَالْفَحْلُ ذَكَرُ الْإِبِلِ.

(أَوْ نَظَرَ) شَخْصٌ (لَهُ) أَيْ الشَّخْصِ الَّذِي فِي بَيْتِهِ الْمَغْلُوقِ عَلَيْهِ بَابُهُ (مِنْ كَوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْوَاوِ مُثَقَّلًا أَيْ طَاقَةٍ (فَقَصَدَ) الْمَنْظُورُ إلَيْهِ (عَيْنَهُ) أَيْ النَّاظِرِ بِرَمْيِهَا بِنَحْوِ حَصَاةٍ أَوْ نَخَسَهَا بِنَحْوِ عُودٍ فَفَقَأَهَا (فَالْقَوَدُ) أَيْ الْقِصَاصُ مِنْ عَيْنِ الْمَنْظُورِ لَهُ حَقٌّ لِلنَّاظِرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمَنْظُورُ عَيْنَ النَّاظِرِ بِأَنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ زَجْرِهِ فَصَادَفَ عَيْنَهُ (فَلَا) قَوَدَ عَلَى الْمَنْظُورِ وَفِي عَيْنِ النَّاظِرِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَنْظُورِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِهِ قَرَّرَ ابْنُ غَازِيٍّ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحَطّ وَابْنِ مَرْزُوقٍ، وَنَصُّ الْحَطّ هَذَا أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِيهِ الضَّمَانُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَضْمُونَ أَيْضًا هَلْ هُوَ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا.

الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى لَوْ رَمَى إنْسَانٌ أَحَدًا يَنْظُرُ إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا أَيْضًا فِي ذَلِكَ فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ وَأَقَلُّهُمْ نَفْيَهُ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَبِالثَّانِي الشَّافِعِيُّ، فَأَمَّا نَفْيُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ امْرُؤٌ اطَّلَعَ عَلَيْك بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك جُنَاحٌ» ، وَأَمَّا إثْبَاتُهُ فَلِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إنْسَانٌ لِعَوْرَةِ آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَسْتَبِيحُ فَقْءَ عَيْنِهِ، فَالنَّظَرُ إلَيْهِ فِي بَيْتِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَبَاحَ بِهِ. وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ رَمَاهُ لِيُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّهُ فَطِنَ بِهِ أَوْ لِيَدْفَعَهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>