للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَيَهُودِيٍّ مَعَ نَصْرَانِيٍّ، وَسِوَاهُمَا مِلَّةٌ

ــ

[منح الجليل]

ابْنُ رُشْدٍ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَرِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا يَعْنِي الزِّنْدِيقَ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ يَتَنَاوَلُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ غَازِيٍّ إنْ كَانَ أَرَادَ بِغَيْرِهِ إلَخْ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الْكَافِرَ أَصَالَةً مَعَ الْمُسْلِمِ، وَإِلَّا بَقِيَ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ عج يُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ شُمُولِهِ الزِّنْدِيقَ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ، وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الزِّنْدِيقِ بِقَرِينَةِ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّدَّةِ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.

(وَكَيَهُودِيٍّ مَعَ) قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ مَوْلَى (نَصْرَانِيٍّ وَسِوَاهُمَا) أَيْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَنْوَاعٍ الْكُفْرُ كُلُّهُ (مِلَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَشَدِّ اللَّامِ وَاحِدَةٌ. ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِأَنْوَارِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْإِسْلَامَ مِلَّةٌ وَالْيَهُودِيَّةَ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّةَ مِلَّةٌ، وَالْمَجُوسِيَّةَ وَمَا سِوَاهَا مِلَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا كِتَابَ لَهُمْ. ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لَكِنَّ كَلَامَ ابْنِ مَرْزُوقٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ مِلَلٌ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمَّهَاتِ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْمِلَلِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا» . ابْنُ شَاسٍ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَلَا بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا بَيْنَ أَهْلِ مِلَّةٍ وَأَهْلِ مِلَّةٍ أُخْرَى إنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا، وَفِي التِّلْمِسَانِيَّة:

أَجَلْ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَ مِلَّتَيْنِ ... وَإِنْ يَكُنْ هَذَا وَهَذَا كَافِرَيْنِ

الْعَصْنُونِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكُفَّارِ الْمُخْتَلِفَةِ أَدْيَانُهُمْ هَلْ هُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْ أَهْلُ مِلَلٍ فَلَا يَتَوَارَثُونَ، وَبِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: ١٧] وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَطْفُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِلَلٌ لِاقْتِضَائِهِ الْمُغَايَرَةَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: ١١٣] الْآيَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>