أَوْ مُسْتَفِيضَةً
ــ
[منح الجليل]
وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ كَانَ مَالِكِيًّا، فَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا لَمْ يَرَ تَكْذِيبَهُمَا وَجَبَ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يُرَاعِي إلَّا تَكْمِيلَ الْعَدَدِ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشُّهُودَ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمَبْنِيُّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِهِمْ بَلْ عِنْدَ غَيْرِهِ.
وَالْفِسْقُ الْمُوجِبُ لِنَقْضِ الْحُكْمِ هُوَ الْفِسْقُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا بِمِصْرَ سَنَةَ ثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَأَفْطَرَ شَيْخُنَا، وَتَبِعَهُ غَالِبُ الْجَمَاعَةِ وَامْتَنَعَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْفِطْرِ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَهُ أَحْمَدُ. عبق وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِلُزُومِ الصَّوْمِ لَيْسَ حُكْمًا بِالْفِطْرِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَلَمْ يَقَعْ الْحُكْمُ بِمَا فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ بَلْ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَهُوَ لُزُومُ الصَّوْمِ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. نَعَمْ إنْ حَكَمَ بِمُوجَبِ لُزُومِ الصَّوْمِ حِينَ الرُّؤْيَةِ كَانَ حُكْمًا بِالْفِطْرِ بَعْدَ ثَلَاثِينَ وَإِنْ لَمْ يُرَ الْهِلَالُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْحَطّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْفِطْرِ حَيْثُ حَكَمَ بِهِ شَافِعِيٌّ عِنْدَ تَمَامِ ثَلَاثِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الصَّوْمِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ، لَا عَلَى لُزُومِهِ. وَهَلْ تَكْذِيبُهُمَا حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لِأَنْفُسِهِمَا أَوْ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا هُمَا فَيَعْمَلَانِ عَلَى مَا تَحَقَّقَاهُ فَيَجِبُ فِطْرُهُمَا بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ جَرَى خِلَافٌ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْمَوَّازِ هَذَا مُحَالٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ عَمَلُهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ الْأَوَّلِ وَكَتْمُ أَمْرِهِ سَالِمٌ هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ تَكْذِيبُ الشَّاهِدَيْنِ فَكَيْفَ بِالْمُنْفَرِدِ؟ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِكَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا الْحُكْمُ بِهِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ.
وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَمَلُهُ عَلَى رُؤْيَةِ نَفْسِهِ وَلَوْ فِي الْغَيْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ يُقَالُ يُتَّفَقُ هُنَا عَلَى عَمَلِهِمَا عَلَى اعْتِقَادِهِمَا لِتَعَدُّدِهِمَا فَغَلَطُهُمَا بَعِيدٌ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ (أَوْ) بِرُؤْيَةِ جَمَاعَةٍ (مُسْتَفِيضَةٍ) ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَوَاطَئُونَ عَلَى الْكَذِبِ عَادَةً كُلُّ وَاحِدٍ قَالَ: رَأَيْت بِنَفْسِي. وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَحْرَارًا عُدُولًا بِحَيْثُ حَصَلَ بِخَبَرِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute