إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ، وَالْفِدْيَةَ وَالْجَزَاءَ بَعْدَ الْمَحَلِّ، وَهَدْيَ تَطَوُّعٍ إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَتُلْقَى قِلَادَتُهُ بِدَمِهِ وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ:
ــ
[منح الجليل]
وَأَشَارَ لِأَوَّلِهِمَا بِقَوْلِهِ (إلَّا نَذْرًا) لِلْمَسَاكِينِ (لَمْ يُعَيَّنْ) كَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ أَوْ بَدَنَةٌ نَاوِيًا لِلْمَسَاكِينِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُمْ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْمَحَلِّ وَبَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) إلَّا (الْفِدْيَةَ) الَّتِي جُعِلَتْ هَدْيًا وَإِلَّا فَيُمْنَعُ الْأَكْلَ مِنْهَا مُطْلَقًا (وَ) إلَّا (الْجَزَاءَ) لِصَيْدٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (بَعْدَ) بُلُوغِ (الْمَحَلِّ) وَهِيَ مِنًى مَعَ الشُّرُوطِ وَمَكَّةُ مَعَ عَدَمِهَا. وَامْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْ نَذْرِ الْمَسَاكِينِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِوُصُولِهِ لَهُمْ، وَمِنْ الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ التَّرَفُّهِ أَوْ إزَالَةِ الْأَذَى، وَمِنْ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الصَّيْدِ وَمَفْهُومُ بَعْدَ الْمَحَلِّ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهَا إذَا عَطِبَتْ قَبْلَ مَحَلِّهَا لِوُجُوبِ بَدَلِهَا عَلَيْهِ وَبَعْثِهِ إلَى الْمَحَلِّ، فَلَا يَلْزَمُ الْأَكْلُ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ لِثَانِيهِمَا بِقَوْلِهِ (وَ) إلَّا (هَدْيَ تَطَوُّعٍ) لَمْ يَجِبْ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ (إنْ عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ عِوَضُهُ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ تَذْكِيَتُهُ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى مَاتَ فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا وَمُؤْتَمَنٌ عَلَيْهِ قَالَهُ سَنَدٌ. وَمَنَعَ أَكْلَهُ مِنْهُ قَبْلَهُ لِإِتْهَامِهِ عَلَى تَعْطِيبِهِ. وَقِيلَ الْمَنْعُ تَعَبُّدٌ فَإِنْ سَمَّاهُ أَوْ نَوَاهُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ (فَتُلْقَى) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الْقَافِ أَيْ: تُطْرَحُ (قِلَادَتُهُ بِدَمِهِ) بَعْدَ نَحْرِهِ عَلَامَةُ كَوْنِهِ هَدْيًا فَلَا يُؤْكَلُ وَلَا يُبَاعُ (وَيُخَلَّى) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مُثَقَّلًا أَيْ: يُتْرَكُ (لِلنَّاسِ) مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ فَقِيرِهِمْ وَغَنِيِّهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ وَنَحْوِهَا.
قَوْلُهَا وَيُخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضَّحُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ مِنْ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ مُخْتَصٌّ بِالْفَقِيرِ، وَنَقَلَهُ بِالْفَقِيرِ، وَنَقَلَهُ الْحَطّ، وَأَفَادَ قَوْلُهُ وَيُخَلَّى لِلنَّاسِ أَمْرَيْنِ إجْزَاءَهُ مَعَ تَوَهُّمِ طَلَبٍ بِبَدَلِهِ وَمَنْعَ أَكْلِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمُبَالَغَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ جَوَازُ أَكْلِهِ مِنْهُ بَعْدَهُ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ الْهَدَايَا ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ أَقْسَامُ النَّذْرِ الْأَرْبَعَةِ الْمُعَيَّنِ وَالْمَضْمُونِ وَكُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُجْعَلَ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ لَا، وَهَدْيُ النَّقْصِ وَالْفِدْيَةِ وَالْجَزَاءِ وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute