إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوْتِهِ، وَلَا دَم
ــ
[منح الجليل]
وَأَفَادَ شَرْطَ التَّحَلُّلِ فَقَالَ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُحْرِمُ حِينَ أَنْشَأَ إحْرَامَهُ (بِهِ) أَيْ الْمَانِعِ مِنْ عَدُوٍّ وَفِتْنَةٍ أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلِمَهُ حِينَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ فَمَنَعَهُ فَلَهُ التَّحَلُّلُ كَمَا وَقَعَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «أَحْرَمَ عَالِمًا بِالْعَدُوِّ بِمَكَّةَ ظَانًّا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ فَمَنَعَهُ فَلَمَّا مَنَعَهُ تَحَلَّلَ» فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ.
وَعَطَفَ عَلَى لَمْ يَعْلَمْ فَقَالَ (وَأَيِسَ) الْمَمْنُوعُ حِينَ الْمَنْعِ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا (مِنْ زَوَالِهِ) أَيْ: الْمَنْعِ (قَبْلَ فَوْتِهِ) أَيْ: الْحَجِّ. وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِوَقْتٍ يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ لَوْلَا الْمَانِعُ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِوَقْتٍ لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ فَلَا يَتَحَلَّلُ لِدُخُولِهِ عَلَى بَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ لِلْعَامِ الْقَابِلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَوْلُهُ قَبْلَ فَوْتِهِ بِالتَّحَلُّلِ رَدًّا لِقَوْلِ أَشْهَبَ إنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بَعْدَ فَوْتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَحْتَمِلُ تَعَلُّقَهُ بِزَوَالِهِ وَعَلَيْهِمَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ قَبْلَ فَوْتِهِ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ أَدْرَكَ الْحَجَّ.
وَهُوَ ظَاهِرُ أَوَّلِ كَلَامِهَا وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَسَنَدٌ مَا فِي آخِرِ كَلَامِهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يَبْقَى زَمَنٌ يَخْشَى فِيهِ فَوَاتَ الْحَجِّ، وَقَالَا إنَّ كَلَامَهَا الثَّانِيَ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ. الْحَطَّابُ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، فَمَعْنَى وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ إلَخْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَيْلَةِ النَّحْرِ زَمَانُ يُمَكِّنُهُ السَّيْرُ فِيهِ إلَى عَرَفَةَ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَيِسَ مِنْ زَوَالِهِ إلَخْ خَاصٌّ بِالْحَجِّ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ حَدٌّ وَإِنْ لَمْ يُخْشَ الْفَوْتُ لِقَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُقِيمُ مَا رَجَا إدْرَاكَهَا مَا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ.
(وَ) إنْ تَحَلَّلَ فَ (لَا دَمَ) عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْحَجِّ بِحَصْرِ الْعَدُوِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ أَشْهَبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] ، وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُحْصَرِ بِمَرَضٍ وَرَدَّهُ اللَّخْمِيُّ بِنُزُولِ الْآيَةِ فِي قَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ حَصْرُهَا بِعَدُوٍّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَدُوٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute