بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ،
ــ
[منح الجليل]
وَأَجَابَ التُّونُسِيُّ وَابْنُ يُونُسَ بِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْحَصْرِ وَإِنَّمَا كَانَ بَعْضُهُمْ سَاقَهُ تَطَوُّعًا فَأُمِرُوا بِتَذْكِيَتِهِ وَاسْتُضْعِفَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] ، وَالْمُحْصَرُ بِعَدُوٍّ يَحْلِقُ أَيْنَ كَانَ كَذَا قَالُوا، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الرَّدِّ بِالْآيَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى أَشْهَبَ أَفَادَهُ عب. الْبُنَانِيُّ حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ أَشْهَبَ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْهَدْيِ بِآيَةِ (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) . وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلتُّونُسِيِّ وَابْنِ يُونُسَ أَنَّ الْهَدْيَ فِي الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْحَصْرِ إنَّمَا سَاقَهُ بَعْضُهُمْ تَطَوُّعًا فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ.
الثَّانِي أَنَّ الْإِحْصَارَ فِي الْآيَةِ بِالْمَرَضِ لَا بِالْعَدُوِّ وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَزَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ لِعَلْقَمَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أُحْصِرَ بِالْمَرَضِ وَحُصِرَ بِالْعَدُوِّ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: ١٩٦] قَالَ عَلْقَمَةُ وَغَيْرُهُ الْمَعْنَى فَإِذَا بَرِئْتُمْ مِنْ مَرَضِكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا إذَا أَمِنْتُمْ مِنْ خَوْفِكُمْ مِنْ الْعَدُوِّ. اهـ. وَكَوْنُ الْآيَةِ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَا يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ، بَلْ يَقْوَى تَأْوِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: ١٩٦] . وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الرَّدِّ بِالْآيَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى أَشْهَبَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الرَّدُّ بِهَا عَلَيْهِ قَوِيٌّ ظَاهِرٌ.
وَالتَّحَلُّلُ يَكُونُ (بِنَحْرِ هَدْيِهِ) إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ سَاقَهُ عَنْ سَبَبٍ مَضَى أَوْ تَطَوُّعًا حَيْثُ كَانَ إنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إرْسَالُهُ لِمَكَّةَ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا جَرَى عَلَى حُكْمِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ الْهَدْيُ أَيْضًا (وَحَلْقِهِ) رَأْسَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ بَلْ هِيَ كَافِيَةٌ، فَفِي الشَّامِلِ وَكَفَتْ نِيَّةُ التَّحَلُّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ يَنْحَرُ إلَخْ بِمَعْنَى مَعَ، فَيُفِيدُ كَلَامُهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الأكملية لَا الشَّرْطِيَّةِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا وَمِثْلُ مَنْ حُصِرَ عَنْهُمَا مَنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ وَهُوَ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ فِي التَّحَلُّلِ بِالنِّيَّةِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ. ابْنُ عَرَفَةَ إنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ وَبَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ حَلَّ مَكَانَهُ صَوَابٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute