وَسُوبْيَا وَعَقِيدٌ أُمِنَ سُكْرُهُ.
وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ،
ــ
[منح الجليل]
قَمْحٍ وَتَمْرٍ وَقِيلَ مَاءٌ جُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَنَحْوُهُ حَتَّى انْحَلَّ إلَيْهِ (وَسُوبْيَا) شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْأُرْزِ يَطْبُخُهُ طَبْخًا شَدِيدًا حَتَّى يَذُوبَ فِي الْمَاءِ وَيُصَفَّى بِنَحْوِ مُنْخُلٍ وَيُحَلَّى بِسُكَّرٍ أَوْ عَسَلٍ (وَعَقِيدٌ) أَيْ مَاءُ عِنَبٍ يُغْلَى عَلَى النَّارِ حَتَّى يَنْعَقِدَ وَيَذْهَبَ إسْكَارُهُ الَّذِي حَصَلَ فِي ابْتِدَاءِ غَلَيَانِهِ وَيُسَمَّى الرُّبَّ الصَّامِتَ، وَلَا يُحَدُّ غَلَيَانُهُ بِذَهَابِ ثُلُثَيْهِ مَثَلًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ زَوَالُ إسْكَارِهِ، وَلِذَا قَالَ (أُمِنَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (سُكْرُهُ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ قَالَ سُكْرُهَا كَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَا عَدَا الْعَصِيرَ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إسْكَارٌ إلَّا بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ.
(وَ) الْمُبَاحُ أَيْ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ (لِلضَّرُورَةِ) أَيْ خَوْفِ هَلَاكِ النَّفْسِ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا (مَا) أَيْ كُلُّ شَيْءٍ (يَسُدُّ) أَيْ يَحْفَظُ الْحَيَاةَ وَلَا يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ إلَى حَالٍ يُشْرِفُ مَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَإِنَّ الْأَكْلَ فِيهِ لَا يُفِيدُ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ يَسُدُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ، وَهِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعَزَاهُ ابْنُ زَرْقُونٍ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ الشِّبَعِ وَالتَّزَوُّدُ إلَى أَنْ يَجِدَ غَيْرَهَا وَنَصُّ الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَحْسَنِ مَا سَمِعْت فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إلَى الْمَيِّتَةِ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ مِنْهَا، فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا. وَفِي الرِّسَالَةِ وَلَا بَأْسَ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ وَيَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ، فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا طَرَحَهَا.
وَأُجِيبَ بِحَمْلِ يَسُدُّ عَلَى سَدِّ الْجُوعِ لَا الرَّمَقِ، وَأَوْرَدَ لميه أَنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ تَمَامُ الْقَوْلِ الرَّاجِحِ وَهُوَ التَّزَوُّدُ وَإِنْ تَزَوَّدَ مِنْ خِنْزِيرٍ لِعَدَمِ غَيْرِهِ ثُمَّ وَجَدَ مَيْتَةً تُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا طَرَحَهُ وَأَخَذَهَا، وَتَنَاوَلَ كَلَامُهُ الْمُتَلَبِّسَ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ يُونُسَ وَالْقَرَافِيِّ وَابْنِ زَرْقُونٍ وَابْنُ جُزَيٍّ. ابْنُ زَرْقُونٍ وَوَجْهُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ أَنَّ مَنْعَهُ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ وَهُوَ لَيْسَ عُقُوبَةَ جِنَايَتِهِ بِخِلَافِهِمَا، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمُتَلَبِّسَ بِمَعْصِيَةِ الْمُحَارَبَةِ عُقُوبَتُهُ الْقَتْلُ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْقَتْلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ بِالْجُوعِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute