للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[منح الجليل]

{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] الْآيَةَ ١٢ البقرة، قَالَ وَلَهُ سَبِيلٌ إلَى أَنْ لَا يَقْتُلَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتُوبَ ثُمَّ يَتَنَاوَلَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] غَيْرَ {مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: ٣] وَلِلْمَشْهُورِ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ بَاغٍ إلَخْ أَيْ فِي نَفْسِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ يَتَجَانَفَ وَيَمِيلَ فِي الْبَاطِنِ لِشَهْوَتِهِ وَيَتَمَسَّكَ فِي الظَّاهِرِ بِالضَّرُورَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ اضْطِرَارًا صَادِقًا كَمَا قَالُوا كُلُّ رُخْصَةٍ لَا تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ يَفْعَلُهَا الْمُسَافِرُ وَلَوْ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ، وَكُلُّ رُخْصَةٍ تَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ لَا يَفْعَلُهَا مَنْ عَصَى بِسَفَرِهِ وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا، فَإِذَا عَصَى بِسَفَرِهِ كَانَ السَّفَرُ كَالْعَدَمِ فَلَا مُبِيحَ.

أَمَّا إذَا كَانَ الْمُبِيحُ غَيْرَ السَّفَرِ كَالضَّرُورَةِ بِحَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ فَالْعِصْيَانُ فِي السَّفَرِ خَارِجٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُبِيحِ وَكَذَا كُلُّ مَعْصِيَةٍ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ خَارِجَةٌ عَنْ السَّبَبِ الْمُبِيحِ، فَإِنْ عَصَى فِي نَفْسِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ كَأَنْ كَذَبَ فِي الضَّرُورَةِ وَبَغَى وَتَعَدَّى فِيهَا وَتَجَانَفَ لِلْإِثْمِ كَانَتْ كَالْعَدَمِ وَأَضَرَّ، لَكِنْ رُبَّمَا أُيِّدَ هَذَا الِاقْتِصَارُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِبَاحَةِ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَلَكِنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ اهـ تت.

الْمَشَذَّالِيُّ أَكْلُ الْمُضْطَرِّ الْمَيِّتَةَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِبَاحَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى الثَّانِي بَاقِيَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا لِلْأَكْلِ فَيَغْسِلُ فَمَه وَيَدَهُ لِلصَّلَاةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَغْسِلُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ مُفْرَدَاتِ قَوْلِهِ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ. الْبِسَاطِيُّ اُخْتُلِفَ فِي تَنَاوُلِ الْمُضْطَرِّ الْمَيْتَةَ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ لَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَالثَّانِي هُوَ التَّحْقِيقُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَيْتَةِ فَلَا تَنْفَكُّ عَنْهَا وَهِيَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ التَّحْرِيمِ، لَكِنْ هَذَا التَّحْرِيمُ لَا إثْمَ فِيهِ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ بِهِ اهـ عب وطفي وبن، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالطَّهَارَةِ وَلَا بَيْنَ الْمَنْعِ وَالنَّجَاسَةِ، بَلْ الْمُقَرَّرُ أَنَّ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالطَّاهِرِ الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ فَيَنْفَرِدُ الْمُبَاحُ عَنْ الطَّاهِرِ فِي نَجَسِ الْمَيْتَةِ لِمُضْطَرٍّ فَهِيَ لَهُ مُبَاحَةٌ مَعَ نَجَاسَتِهَا، وَقَوْلُهُ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهَا صَارَتْ مِنْ مُفْرَدَاتِ قَوْلِهِ الْمُبَاحُ إلَخْ مَمْنُوعٌ وَكَذَا بَيْنَ النَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ فَيَنْفَرِدُ النَّجَسُ عَنْ الْمُحَرَّمِ وَيَكُونُ مُبَاحًا فِي الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فَمَا ذُكِرَ مِنْ وَهِيَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ التَّحْرِيمِ مَمْنُوعٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>