بِالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْخَوْفِ كَثِيرٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَدْ يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ لِلْأَسْبَابِ الْعَارِضَةِ مَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا رَاتِبًا.
فَالْعِبَادَاتُ فِي ثُبُوتِهَا وَسُقُوطِهَا تَنْقَسِمُ إِلَى رَاتِبَةٍ وَعَارِضَةٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ أَوِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ سُقُوطُهُ، وَإِنَّمَا تَغْلَطُ الْأَذْهَانُ مِنْ حَيْثُ تَجْعَلُ الْعَارِضَ رَاتِبًا، أَوْ تَجْعَلُ الرَّاتِبَ لَا يَتَغَيَّرُ بِحَالٍ، وَمَنِ اهْتَدَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَشْرُوعَاتِ الرَّاتِبَةِ وَالْعَارِضَةِ انْحَلَّتْ عَنْهُ هَذِهِ الْمُشْكِلَاتُ انْحِلَالًا كَثِيرًا.
[فَصْلٌ في الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ
فَالنَّاسُ فِيهَا طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، مِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهَا بَعْضُهُمْ إِلَى التَّحْرِيمِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ السِّرِّ وَالْجَهْرِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ كَأَصْحَابِ أبي حنيفة، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَكِّدُ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يُوجِبَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ سَمِعَ الْإِمَامَ يَقْرَأُ، وَهَذَا هُوَ الْجَدِيدُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مَعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَفِي حَالِ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فِي صَلَاتِهِ الْجَهْرِيَّةِ وَلِلْبَعِيدِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ، وَأَمَّا الْقَرِيبُ الَّذِي يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَيَأْمُرُونَهُ بِالْإِنْصَاتِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ إِقَامَةً لِلِاسْتِمَاعِ مَقَامَ التِّلَاوَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ كمالك وأحمد وَغَيْرِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَفُقَهَاءِ الْآثَارِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عَمَلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ، وَتَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ.
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ شَبِيهٌ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ هَلْ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ أَمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ؟ كَمَا تَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute