وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُ هَذَا مِنْ خَيْبَرَ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى النِّصْفِ، فَقِيلَ: خَابَرَهُمْ، أَيْ عَامَلَهُمْ فِي خَيْبَرَ، وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، فَإِنَّ مُعَامَلَتَهُ بِخَيْبَرَ لَمْ يُنْهَ عَنْهَا قَطُّ، بَلْ فَعَلَهَا الصَّحَابَةُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا رَوَى حَدِيثَ الْمُخَابَرَةِ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وجابر، وَقَدْ فَسَّرَا مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَالْخَبِيرُ: هُوَ الْفَلَّاحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَخْبُرُ الْأَرْضَ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ، فَقَالُوا: الْمُخَابَرَةُ هِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ، وَالْمُزَارَعَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ. قَالُوا: وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ لَا الْمُزَارَعَةِ.
وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ " «نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ» " كَمَا " نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ " وَكَمَا " «نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ» ". وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عَامَّةً لِمَوْضِعِ نَهْيِهِ وَغَيْرِ مَوْضِعِ نَهْيِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِمَا يَفْعَلُونَهُ لِأَجْلِ التَّخْصِيصِ الْعُرْفِيِّ لَفْظًا وَفِعْلًا، وَلِأَجْلِ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ وَهِيَ لَامُ الْعَهْدِ وَسُؤَالُ السَّائِلِ، وَإِلَّا فَقَدَ نَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُخَابَرَةَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ. وَالِاشْتِقَاقُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
[فَصْلٌ شروط من أجاز المزارعة]
فَصْلٌ.
وَالَّذِينَ جَوَّزُوا الْمُزَارَعَةَ مِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ، وَقَالُوا هَذِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ. فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أحمد، اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ مالك وَالشَّافِعِيِّ، حَيْثُ يُجَوِّزُونَ الْمُزَارَعَةَ. وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ: قِيَاسُهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَبِذَلِكَ احْتَجَّ أحمد أَيْضًا. قَالَ الكرماني: قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute