للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإِنَّ التَّشْدِيدَ فِي النَّجَاسَاتِ جِنْسًا وَقَدْرًا هُوَ دِينُ الْيَهُودِ، وَالتَّسَاهُلَ هُوَ دِينُ النَّصَارَى، وَدِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْوَسَطُ، فَكُلُّ قَوْلٍ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ.

[اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ كَاخْتِلَاطِ الْمَائِعِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ]

وَأَصْلٌ آخَرُ: وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ كَاخْتِلَاطِ الْمَائِعِ الطَّاهِرِ بِالنَّجِسِ، فَقَوْلُ الْكُوفِيِّينَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ.

وَسِرُّ قَوْلِهِمْ: إِلْحَاقُ الْمَاءِ بِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ، وَأَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي مَائِعٍ لَمْ يُمْكِنِ اسْتِعْمَالُهُ إِلَّا بِاسْتِعْمَالِ [الْخَبِيثِ] ، فَيَحْرُمُ الْجَمِيعُ [مَعَ أَنَّ تَنْجِيسَ] الْمَائِعِ غَيْرِ الْمَاءِ الْآثَارُ فِيهِ قَلِيلَةٌ.

وَبِإِزَائِهِمْ مالك وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ - فِي الْمَشْهُورِ - لَا يُنَجِّسُونَ الْمَاءَ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَلَا يَمْنَعُونَ مِنَ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا غَيْرِهِ؛ مُبَالَغَةً فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، مَعَ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ.

ولأحمد قَوْلٌ كَمَذْهَبِهِمْ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ التَّوَسُّطُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ، هَلْ يَلْحَقُ بِالْمَاءِ، أَوْ لَا يَلْحَقُ بِهِ كَقَوْلِ مالك وَالشَّافِعِيِّ؟ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِ الْمَاءِ كَخَلِّ الْعِنَبِ؟ عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ.

وَفِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنَ التَّوَسُّطِ أَثَرًا وَنَظَرًا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَ أحمد الْمُوَافِقَ لِقَوْلِ مالك رَاجِحٌ فِي الدَّلِيلِ.

[أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا رُطُوبَةَ فِيهَا كَالشَّعَرِ وَالظُّفْرِ وَالرِّيشِ]

وَأَصْلٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ الَّتِي لَا رُطُوبَةَ فِيهَا - كَالشَّعَرِ وَالظُّفْرِ وَالرِّيشِ - مَذَاهِبَ، هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

<<  <   >  >>