للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَخُلَفَائِهِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ لَمْ يَفْتَتِحُوا إِلَّا بِالطَّوَافِ، ثُمَّ الصَّلَاةِ عَقِبَ الطَّوَافِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: هِيَ الطَّوَافُ، كَمَا أَنَّ تَحِيَّةَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ هِيَ الصَّلَاةُ.

[الصَّلَاةِ عَقِبَ السَّعْيِ]

وَأَشْنَعُ مِنْ هَذَا: اسْتِحْبَابُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ السَّعْيِ عَلَى الْمَرْوَةِ، قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الطَّوَافِ. وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَرَأَوْا أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ ظَاهِرَةُ الْقُبْحِ. فَإِنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَاؤُهُ طَافُوا وَصَلَّوْا، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ الطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ، ثُمَّ سَعَوْا وَلَمْ يُصَلُّوا عَقِبَ السَّعْيِ. فَاسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَقِبَ السَّعْيِ كَاسْتِحْبَابِهَا عِنْدَ الْجَمَرَاتِ، أَوْ بِالْمَوْقِفِ بِعَرَفَاتٍ، أَوْ جَعْلِ الْفَجْرِ أَرْبَعًا قِيَاسًا عَلَى الظُّهْرِ. وَالتَّرْكُ الرَّاتِبُ: سُنَّةٌ، كَمَا أَنَّ الْفِعْلَ الرَّاتِبَ: سُنَّةٌ، بِخِلَافِ مَا كَانَ تَرْكُهُ لِعَدَمِ مُقْتَضٍ، أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ، أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ، وَحَدَثَ بَعْدَهُ مِنَ الْمُقْتَضَيَاتِ وَالشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، مَا دَلَّتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى فِعْلِهِ حِينَئِذٍ، كَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، وَجَمْعِ النَّاسِ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ، وَتَعَلُّمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَسْمَاءِ النَّقْلَةِ لِلْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ، بِحَيْثُ لَا تَتِمُّ الْوَاجِبَاتُ أَوِ الْمُسْتَحَبَّاتُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَوَاتِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ.

فَأَمَّا مَا تَرَكَهُ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفَعَلَهُ أَوْ أَذِنَ فِيهِ وَلَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَالصَّحَابَةُ: فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ فِعْلَهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَيَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ جَازَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ مِثْلُ قِيَاسِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَنْ يُجْعَلَ لَهَا أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ، كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُ

<<  <   >  >>