عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَا يُبَاعُ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ» بِخِلَافِ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا لِأَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَحْتَلِبَ لَبَنَهَا، فَهَذَا نَظِيرُ اكْتِرَاءِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ.
[فَصْلٌ إِذَا بَاعَهُ الثَّمَرَةَ فَقَطْ وَأَكَرَاهُ الْأَرْضَ لِلسُّكْنَى]
فَصْلٌ
هَذَا إِذَا أَكْرَى الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ، أَوِ الشَّجَرَةَ وَحْدَهَا لِأَنْ يَخْدِمَهَا وَيَأْخُذَ الثَّمَرَةَ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ بَاعَهُ الثَّمَرَةَ فَقَطْ وَأَكَرَاهُ الْأَرْضَ لِلسُّكْنَى: فَهُنَا لَا يَجِيءُ إِلَّا الْأَصْلُ الْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ عَنِ ابن عقيل، وَبَعْضُهُ عَنْ مالك وأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ هُوَ السُّكْنَى، وَهُوَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. فَيَجُوزُ فِي الْجَمْعِ مَا لَا يَجُوزُ فِي التَّفْرِيقِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّظَائِرِ. وَهَذَا إِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ مَقْصُودًا لَهُ، كَمَا يَجْرِي فِي حَوَائِطَ دِمَشْقَ، فَإِنَّ الْبُسْتَانَ يُكْتَرَى فِي الْمُدَّةِ الصَّيْفِيَّةِ لِلسُّكْنَى فِيهِ وَأَخْذِ ثَمَرِهِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ عَلَى الثَّمَرَةِ أَصْلًا، بَلِ الْعَمَلُ عَلَى الْمُكْرِي الْمُضَمِّنِ.
وَعَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ: فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ لَمْ يَطْلُعْ بِحَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ أَجْنَاسًا مُتَفَرِّقَةً، كَمَا يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. فَإِنَّهُ إِنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: هُوَ إِجَارَةٌ ; لِأَنَّ مُؤْنَةَ تَوْفِيَةِ الثَّمَرِ هُنَا عَلَى الْمُضَمِّنِ وَبِعَمَلِهِ يَصِيرُ ثَمَرًا، بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَصِيرُ مُثْمِرًا بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلِهَذَا يُسَمِّيهِ النَّاسُ: ضَمَانًا، إِذْ لَيْسَ هُوَ بَيْعًا مَحْضًا وَلَا إِجَارَةً مَحْضَةً. فَسُمِّيَ بِاسْمِ الِالْتِزَامِ الْعَامِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الضَّمَانُ، كَمَا يُسَمِّي الْفُقَهَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، وَكَذَلِكَ يُسَمَّى الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ضَمَانًا أَيْضًا، لَكِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى إِجَارَةً. وَهَذَا إِذَا سُمِّيَ إِجَارَةً أَوِ اكْتِرَاءً فَلِأَنَّ بَعْضَهُ إِجَارَةٌ أَوِ اكْتِرَاءٌ، وَفِيهِ بَيْعٌ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute