وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكَ مُسْتَحَبٍّ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٤] [الْبَقَرَةِ] .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَرْكَ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلَ مُحَرَّمٍ، فَهُنَا لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ يَجِبُ التَّكْفِيرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ: فَكَانَ الْحَالِفُ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِيَمِينِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ لَهُ تَرْفَعُ عَنْهُ مُقْتَضَى الْحِنْثِ، بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا مَعْصِيَةً لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، سَوَاءٌ وَفَى أَمْ لَمْ يَفِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعْصِيَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي نَذْرِهِ كَفَّارَةً، [وَكَمَا لَوْ كَانَ] الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ طَاعَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ.
[فَصْلٌ الْحَالِفُ بِالنَّذْرِ الَّذِي هُوَ نَذْرُ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ]
فَصْلٌ
فَأَمَّا الْحَالِفُ بِالنَّذْرِ الَّذِي هُوَ نَذْرُ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِذَا فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَيَّ صِيَامٌ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْفِعْلِ، أَوْ أَنْ يَقُولَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ، وَنَحْوَهُ. فَمَذْهَبُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ أَنَّهُ يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أبي حنيفة، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ، فَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا نَذَرَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أحمد، وَمِنْهُمْ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute