للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْوَفَاءِ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْإِيلَاءَ إِذَا أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ صَارَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ إِذَا أَوْجَبَ التَّحْرِيمَ، فَالتَّحْرِيمُ مُسْتَلْزِمٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ لَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ١ - ٢] [التَّحْرِيمِ: ١، ٢] ، وَالتَّحِلَّةُ مَصْدَرُ حَلَّلْتُ الشَّيْءَ تَحْلِيلًا وَتَحِلَّةً، كَمَا يُقَالُ: كَرَّمْتُهُ تَكْرِيمًا وَتَكْرِمَةً. وَهَذَا الْمَصْدَرُ يُسَمَّى بِهِ الْمُحَلِّلُ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الْكَفَّارَةُ. فَإِنْ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ، فَالْمَعْنَى: فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحْلِيلَ الْيَمِينِ وَهُوَ حَلُّهَا الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَقْدِ، أَوِ الْحَلُّ، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَدَلَّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ - كأبي بكر عبد العزيز - بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ التَّحِلَّةَ لَا تَكُونُ بَعْدَ الْحِنْثِ فَإِنَّهُ بِالْحِنْثِ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ التَّحِلَّةُ إِذَا أُخْرِجْتَ قَبْلَ الْحِنْثِ لِتَنْحَلَّ الْيَمِينُ. وَإِنَّمَا هِيَ بَعْدَ الْحِنْثِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْ مَا فِي الْحِنْثِ مِنْ سَبَبِ الْإِثْمِ لِنَقْضِ عَهْدِ اللَّهِ.

فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْيَمِينُ مِنْ وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا رَفَعَهُ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي جَعَلَهَا بَدَلًا مِنَ الْوَفَاءِ فِي جُمْلَةِ مَا رَفَعَهُ عَنْهَا مِنَ [الْآصَارِ] الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ} [الأعراف: ١٥٧] ، فَالْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: إِمَّا طَاعَةٌ، وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ، وَإِمَّا مُبَاحٌ، فَإِذَا حَلَفَ [لَيَفْعَلَنَّ] مُبَاحًا أَوْ لَيَتْرُكَنَّهُ، فَهُنَا الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ.

<<  <   >  >>