للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» .

فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمَ الْأَمَانَةِ الَّذِي هُوَ الْإِمَارَةُ، وَحُكْمَ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ الْيَمِينُ، وَكَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنَ الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَتْ عائشة: " كَانَ أبو بكر لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ "، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ عَقْدٌ بِاللَّهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا يَجِبُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ وَأَشَدُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ، وَأُولِي بِاللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: أَعْقِدُ بِاللَّهِ. لِهَذَا عُدِّيَ بِحَرْفِ الْإِلْصَاقِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الرَّبْطِ وَالْعَقْدِ، فَيَنْعَقِدُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِاللَّهِ، كَمَا تَنْعَقِدُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي الْمُعَاقَدَةِ، وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ " عَقْدًا " فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] ، فَإِذَا كَانَ قَدْ عَقَدَهَا بِاللَّهِ فَإِنَّ الْحِنْثَ فِيهَا نَقْضٌ لِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ، لَوْلَا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ مِنَ التَّحِلَّةِ. وَلِهَذَا سُمِّيَ حَلُّهَا حِنْثًا، وَالْحِنْثُ: هُوَ الْإِثْمُ فِي الْأَصْلِ. فَالْحِنْثُ فِيهَا سَبَبٌ لِلْإِثْمِ لَوْلَا الْكَفَّارَةُ الْمَاحِيَةُ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ مَنَعَتْهُ أَنْ يُوجِبَ إِثْمًا.

وَنَظِيرُ الرُّخْصَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا: الرُّخْصَةُ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ الظِّهَارُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا، وَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا، فَإِنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ وُجُوبِ

<<  <   >  >>