للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل: رَجُلٌ دَفَعَ أَرْضَهُ إِلَى الْأَكَّارِ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَالْبَقَرُ وَالْحَدِيدُ وَالْعَمَلُ مِنَ الْأَكَّارِ، يَذْهَبُ فِيهِ مَذْهَبَ الْمُضَارَبَةِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الْبَذْرَ هُوَ أَصْلُ الزَّرْعِ، كَمَا أَنَّ الْمَالَ هُوَ أَصْلُ الرِّبْحِ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِمَّنْ لَهُ الْأَصْلُ، لِيَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلُ، وَمِنَ الْآخَرِ الْأَصْلُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْعَامِلِ، وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِهِ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا - أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، كَمَا عَامَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ.

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ - كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى -: إِذَا دَفَعَ أَرْضَهُ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا بِبَذْرِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الزَّرْعِ لِلْمَالِكِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُزَارَعَةِ لَمْ يَجُزْ. وَجَعَلُوا هَذَا التَّفْرِيقَ تَقْرِيرًا لِنُصُوصِهِ ; لِأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي عَامَّةِ نُصُوصِهِ صَرَائِحَ كَثِيرَةً جِدًّا فِي جَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنَ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَرَأَوْا أَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ عِنْدَهُمْ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُزَارَعَةِ [إِلَّا] أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنَ الْمَالِكِ كَالْمُضَارَبَةِ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ بَابِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَبَابِ الْإِجَارَةِ.

وَقَالَ آخَرُونَ - مِنْهُمْ أبو الخطاب - مَعْنَى قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: " يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْهَا " أَرَادَ بِهِ:

<<  <   >  >>