النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ قَطُّ بِالْعَرَبِيَّةِ إِلَّا بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ: فَجَعَلُوا هَذِهِ الصُّورَةَ مُسْتَثْنَاةً مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي وَافَقُوا عَلَيْهِ ابن حامد، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِحْسَانِ.
وَذَكَرَ ابن عقيل قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ؛ لِنَصِّ أَحْمَدَ بِهَذَا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِنُصُوصِ أحمد وَأُصُولِهِ.
وَمَذْهَبُ مالك فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِمَذْهَبِهِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ مالك اخْتَلَفُوا: هَلْ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ مَنْعُ مَا اخْتَصَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هِبَةِ الْبُضْعِ بِغَيْرِ مَهْرٍ، قَالَ ابن القاسم: وَإِنْ وَهَبَ ابْنَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ إِنْكَاحَهَا فَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مالك، فَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مالك وأحمد مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بَعِيدٌ عَنْ أُصُولِهِمَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ كِنَايَةٌ، وَأَنَّ الْكِنَايَةَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى النِّيَّةِ، وَمَذْهَبُهُمَا الْمَشْهُورُ: أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ فِي الْكِنَايَاتِ تَجْعَلُهَا صَرِيحَةً وَتَقُومُ مَقَامَ إِظْهَارِ النِّيَّةِ، وَلِهَذَا جَعَلَا الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ وَالْقَذْفِ وَنَحْوِهِمَا مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ كَالصَّرِيحِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَلَالَاتِ الْأَحْوَالِ فِي النِّكَاحِ مَعْرُوفَةٌ: مِنَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِذَلِكَ وَالتَّحَدُّثِ بِمَا اجْتَمَعُوا لَهُ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: " مَلَّكْتُهَا لَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ " عَلِمَ الْحَاضِرُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِنْكَاحُ، وَقَدْ شَاعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي عُرْفِ النَّاسِ حَتَّى سَمَّوْا عَقْدَهُ إِمْلَاكًا وَمِلَاكًا، وَلِهَذَا رَوَى النَّاسُ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَاطِبِ الْوَاهِبَةِ الَّذِي الْتَمَسَ فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute