ثُمَّ التَّقَابُضُ وَنَحْوُهُ وَفَاءٌ بِالْعُقُودِ، بِمَنْزِلَةِ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ.
وَالْقَبْضُ يَنْقَسِمُ إِلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، كَالْعَقْدِ. وَتَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، كَمَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ فِي الْقَبْضِ إِلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ، فَكَذَلِكَ الْعُقُودُ، وَإِنْ حَرَّرْتَ عِبَارَتَهُ قُلْتَ: أَحَدُ نَوْعَيِ التَّصَرُّفَاتِ. فَكَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى عَادَةِ النَّاسِ كَالنَّوْعِ الْآخَرِ.
وَمِمَّا يَلْتَحِقُ بِهَذَا: أَنَّ الْإِذْنَ الْعُرْفِيَّ فِي الْإِبَاحَةِ أَوِ التَّمْلِيكِ أَوِ التَّصَرُّفِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ كَالْإِذْنِ اللَّفْظِيِّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَكَالَةِ وَالْإِبَاحَةِ يَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، وَالْعِلْمُ بِرِضَى الْمُسْتَحِقِّ يَقُومُ مَقَامَ إِظْهَارِهِ لِلرِّضَى.
وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَكَانَ غَائِبًا، وَإِدْخَالُهُ أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِلَى مَنْزِلِ أبي طلحة وَمَنْزِلِ جابر بِدُونِ اسْتِئْذَانِهِمَا؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمَا رَاضِيَانِ بِذَلِكَ. وَلَمَّا دَعَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّحَّامُ سَادِسَ سِتَّةٍ: اتَّبَعَهُمْ رَجُلٌ، فَلَمْ يُدْخِلْهُ حَتَّى اسْتَأْذَنَ اللَّحَّامَ الدَّاعِيَ، وَكَذَلِكَ مَا يُؤْثَرُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمَّا دَخَلُوا مَنْزِلَهُ وَأَكَلُوا طَعَامَهُ قَالَ: ذَكَّرْتُمُونِي أَخْلَاقَ قَوْمٍ قَدْ مَضَوْا.
وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ أبي جعفر: إِنَّ الْإِخْوَانَ مَنْ يُدْخِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute