للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَفْسَدَةُ الْغَرَرِ أَقَلُّ مِنَ الرِّبَا، فَلِذَلِكَ رَخَّصَ فِيمَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْهُ، فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ كَوْنِهِ غَرَرًا مِثْلَ بَيْعِ الْعَقَارِ جُمْلَةً وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ دَوَاخِلَ الْحِيطَانِ وَالْأَسَاسِ. وَمِثْلَ بَيْعِ الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ أَوِ الْمُرْضِعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ الْحَمْلِ أَوِ اللَّبَنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَمْلِ مُفْرَدًا. وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، مُسْتَحَقُّ الْإِبْقَاءِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ: كمالك، وَالشَّافِعِيِّ، وأحمد، وَإِنْ كَانَتِ الْأَجْزَاءُ الَّتِي يَكْمُلُ الصَّلَاحُ بِهَا لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ.

وَجَوَّزَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ثَمَرَتَهَا، فَيَكُونُ قَدِ اشْتَرَى ثَمَرَةً قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ لِلْأَصْلِ.

فَظَهَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ ضِمْنًا وَتَبَعًا مَا لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَلَمَّا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى الْعَرَايَا رَخَّصَ فِي بَيْعِهَا بِالْخَرْصِ. فَلَمْ يَجُوِّزِ الْمُفَاضَلَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ، بَلْ سَوَّغَ الْمُسَاوَاةَ بِالْخَرْصِ فِي الْقَلِيلِ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَهُوَ قَدْرُ النِّصَابِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، أَوْ مَا دُونَ النِّصَابِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وأحمد، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عَنْ أحمد مَا دُونَ النِّصَابِ.

إِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ فَأُصُولُ مالك فِي الْبُيُوعِ أَجْوَدُ مِنْ أُصُولِ غَيْرِهِ،

<<  <   >  >>