للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ ابن المنذر: جَوَازُ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ مالك وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وعبيد الله [بن الحسن] وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: لَا يَجُوزُ، ثُمَّ بَلَغَهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ بِهِ. قَالَ ابن المنذر: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَعْدِلُ عَنِ الْقَوْلِ بِهِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَهُ قَوْلَيْنِ، وَأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْقَدِيمُ، حَتَّى مَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ بِصِفَةٍ وَغَيْرِ صِفَةٍ، مُتَأَوِّلًا أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ غَرَرٌ وَإِنْ وُصِفَ، حَتَّى اشْتَرَطَ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ - كَدَيْنِ السَّلَمِ - مِنَ الصِّفَاتِ وَضَبْطِهَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ غَيْرُهُ. وَلِهَذَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ عَلَى النَّاسِ الْمُعَامَلَةُ فِي الْعَيْنِ، وَالدَّيْنِ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ. وَقَاسَ عَلَى بَيْعِ الْغَرَرِ جَمِيعَ الْعُقُودِ، مِنَ التَّبَرُّعَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ، فَاشْتَرَطَ فِي أُجْرَةِ الْأَجِيرِ وَفِدْيَةِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ، وَصُلْحِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ، وَجِزْيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: مَا اشْتَرَطَهُ فِي الْبَيْعِ عَيْنًا وَدَيْنًا، وَلَمْ يُجَوِّزْ فِي ذَلِكَ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً إِلَّا مَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ لَا تَبْطُلُ بِفَسَادِ أَعْوَاضِهَا، أَوْ يُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطٌ أُخَرُ.

وَأَمَّا أبو حنيفة: فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْبَاقِلَّاءِ وَنَحْوِهِ فِي الْقِشْرَيْنِ، وَيُجَوِّزُ إِجَارَةَ الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ، وَيُجَوِّزُ أَنْ تَكُونَ جَهَالَةُ الْمَهْرِ، كَجَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَجَوِّزُ بَيْعَ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ بِلَا صِفَةٍ مَعَ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى وَقْفَ الْعُقُودِ، لَكِنَّهُ يُحَرِّمُ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ مُطْلَقًا، وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزُ بَيْعَ بَعْضِ ذَلِكَ، وَيُحَرِّمُ أَيْضًا كَثِيرًا مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْعَقْدِ.

<<  <   >  >>