بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَا يُعْرَفُ غَيْرُهَا مِمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وَأَوْكَدَ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مِمَّا تَمَسُّ حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى بَيْعِهِ. فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُبَعْ حَتَّى يُقْلَعَ، حَصَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ مُبَاشَرَةُ الْقَلْعِ وَالِاسْتِنَابَةِ فِيهِ، وَإِنْ قَلَعُوهُ جُمْلَةً فَسَدَ بِالْقَلْعِ، فَبَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ كَبَقَاءِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَنَحْوِهِمَا فِي قِشْرِهِ الْأَخْضَرِ.
وأحمد وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ يُجَوِّزُونَ الْعَرَايَا مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ لِحَاجَةِ الْمُشْتَرِي إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، أَوِ الْبَائِعِ إِلَى أَكْلِ الثَّمَرِ، فَحَاجَةُ الْبَائِعِ هُنَا أَوْكَدُ بِكَثِيرٍ، وَسَنُقَرِّرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَذَلِكَ قِيَاسُ أُصُولِ أحمد وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ: جَوَازُ بَيْعِ الْمَقَاثِي بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا، وَإِنِ اشْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى بَيْعٍ مَعْدُومٍ، إِذَا بَدَا صَلَاحُهَا، كَمَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ إِذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ نَخْلَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَنْ يُبَاعَ جَمِيعُ ثَمَرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا لَمْ يَصْلُحْ بَعْدُ.
وَغَايَةُ مَا اعْتَذَرُوا بِهِ عَنْ خُرُوجِ هَذَا مِنَ الْقِيَاسِ أَنْ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِفْرَادُ الْبَيْعِ لِذَلِكَ مِنْ نَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْبُسْرَةَ بِالْعَقْدِ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لَأَنَّ الْبُسْرَةَ تَصْفَرُّ فِي يَوْمِهَا، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْمَقْثَاةِ.
وَقَدِ اعْتَذَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وأحمد عَنْ بَيْعِ الْمَعْدُومِ تَبَعًا بِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْمَوْجُودِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مُلْكِهِ.
وَالْجُمْهُورُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ يَعْلَمُونَ فَسَادَ هَذَا الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute