الرِّبَا بِسَبِيلٍ، وَمَنْ حَرَّمَهُ فَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ.
ثُمَّ إِنَّ أحمد لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ أَرْضًا بَيْضَاءَ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَعْمَلُ فِي الْأَرْضِ بِمَنْفَعَتِهِ وَمَالِهِ، فَيَكُونُ الْمَغَلُ بِكَسْبِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ فِيهَا الْعُلُوجُ، وَهُمُ الَّذِينَ يُعَالِجُونَ الْعَمَلَ، فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِيهَا شَيْئًا لَا بِمَنْفَعَتِهِ وَلَا بِمَالِهِ، بَلِ الْعُلُوجُ يَعْمَلُونَهَا، وَهُوَ يُؤَدِّي الْقَبَالَةَ وَيَأْخُذُ بَدَلَهَا، فَهُوَ طَلَبُ الرِّبْحِ فِي مُبَادَلَةِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ صِنَاعَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، وَهَذَا هُوَ الرِّبَا، وَنَظِيرُ هَذَا مَا جَاءَ بِهِ عَنِ [ابْنِ عُمَرَ] أَنَّهُ رِبًا، وَهُوَ اكْتِرَاءُ الْحَمَّامِ وَالطَّاحُونِ وَالْفَنَادِقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْتَفِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ، فَلَا يَتَّجِرُ فِيهِ وَلَا يَصْطَنِعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَكْتَرِيهِ لِيَكْرِيَهُ فَقَطْ، فَقَدْ قِيلَ: هُوَ رِبًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رِبًا لِأَجْلِ النَّخْلِ، وَلَا لِأَجْلِ الْأَرْضِ إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ جِنْسِ الْمَغَلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ رِبًا لِأَجْلِ الْعُلُوجِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا، فَإِنَّ الْعُلُوجَ يَقُومُونَ بِهَا، فَتَقْبِيلُهَا لِآخَرَ مُرَابَاةٌ لَهُ، وَلِهَذَا كَرِهَهَا أحمد، وَإِنْ كَانَتْ بَيْضَاءَ إِذَا كَانَ فِيهَا الْعُلُوجُ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ بِمُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ خَيْبَرَ عَلَى أَرْضِهَا: بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، عَلَى أَنَّ يُعَمِّرُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِي الْمَعْنَى إِكْرَاءٌ لِلْأَرْضِ مِنْهُمْ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، مَعَ إِكْرَاءِ الشَّجَرِ بِنِصْفِ ثَمَرِهِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ إِكْرَاءُ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ بِشَيْءٍ مَضْمُونٍ ; لِأَنَّ إِعْطَاءَ الثَّمَرِ لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ، لَكَانَ إِعْطَاءُ بَعْضِهِ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا أَصْلَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute