وَالْمُحَاقَلَةُ: أَنْ يُبَاعَ الْحَقْلُ بِكَيْلٍ مِنَ الطَّعَامِ مَعْلُومٍ، وَالْمُزَابَنَةُ: أَنْ يُبَاعَ النَّخْلُ بِأَوْسَاقٍ مِنَ التَّمْرِ، وَالْمُخَابَرَةُ: الثُّلُثُ وَالرُّبْعُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. قَالَ زيد: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَسَمِعْتَ جابرا يَذْكُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: نَعَمْ» .
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَا مَنْ يَنْهَى عَنِ الْمُؤَاجَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ ; لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَائِهَا، وَالْكِرَاءُ يَعُمُّهَا. وَلِأَنَّهُ قَالَ: " «فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْهَا» "، فَلَمْ يُرَخِّصْ إِلَّا فِي أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يَمْنَحَهَا لِغَيْرِهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي الْمُعَاوَضَةِ عَنْهَا، لَا بِمُؤَاجَرَةٍ وَلَا بِمُزَارَعَةٍ.
وَمَنْ يُرَخِّصُ فِي الْمُزَارَعَةِ - دُونَ الْمُؤَاجَرَةِ - يَقُولُ: الْكِرَاءُ هُوَ الْإِجَارَةُ، أَوِ الْمُزَارَعَةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَتَأْتِي أَدِلَّتُهَا، وَالَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَامِلُ بِهَا أَهْلَ خَيْبَرَ، وَعَمِلَ بِهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ مِنْ بَعْدِهِ.
يُؤَيِّدُ ذَلِكَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ الَّذِي تَرَكَ كِرَاءَ الْأَرْضِ لَمَّا حَدَّثَهُ رافع، كَانَ يَرْوِي حَدِيثَ أَهْلِ خَيْبَرَ رِوَايَةَ مَنْ يُفْتِي بِهِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرَرِ. وَالْمُؤَاجَرَةُ أَظْهَرُ فِي الْغَرَرِ مِنَ الْمُزَارَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمَنْ يُجَوِّزُ الْمُؤَاجَرَةَ دُونَ الْمُزَارَعَةِ يَسْتَدِلُّ بِمَا رَوَاهُ مسلم فِي صَحِيحِهِ عَنْ ثابت بن الضحاك: " «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ، وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا» " فَهَذَا صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ، وَالْأَمْرِ بِالْمُؤَاجَرَةِ. وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي عَنْ رَافِعِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute