فَإِذَا كَانَ جَمِيعُ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا يُزَارِعُونَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَأَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ مُنْكِرٌ، لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعٌ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، بَلْ إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا إِجْمَاعٌ فَهُوَ هَذَا. لَا سِيَّمَا وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ جَمِيعُهُمْ زَارَعُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ إِلَى أَنْ أَجْلَى عمر الْيَهُودَ إِلَى تَيْمَاءَ.
وَقَدْ تَأَوَّلَ مَنْ أَبْطَلَ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُسَاقَاةَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلَاتٍ مَرْدُودَةٍ. مِثْلُ أَنْ قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ عَبِيدًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ. فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِثْلَ الْمُخَارَجَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ.
وَمَعْلُومٌ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَهُمْ وَلَمْ يَسْتَرِقَّهُمْ حَتَّى أَجْلَاهُمْ عمر، وَلَمْ يَبِعْهُمْ وَلَا مَكَّنَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنِ اسْتِرْقَاقِ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
وَمِثْلُ أَنْ قَالَ: هَذِهِ مُعَامَلَةٌ مَعَ الْكُفَّارِ. فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَجُوزَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ، وَقَدْ أَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ يَحْرُمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْعَهْدِ مَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ. ثُمَّ إِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَامَلَ عَلَى عَهْدِهِ أَهْلَ الْيَمَنِ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُعَامِلُونَ بِذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ يَقْتَضِي جَوَازَ ذَلِكَ مَعَ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُبِيحَةِ، أَوِ النَّافِيَةِ لِلْحَرَجِ، وَمَعَ الِاسْتِصْحَابِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مُشَارَكَةٌ، لَيْسَتْ مِثْلَ الْمُؤَاجَرَةِ الْمُطْلَقَةِ. فَإِنَّ النَّمَاءَ الْحَادِثَ يَحْصُلُ مِنْ مَنْفَعَةِ أَصْلَيْنِ: مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ الَّتِي لِهَذَا، كَبَدَنِهِ وَبَقَرِهِ، وَمَنْفَعَةُ الْعَيْنِ الَّتِي لِهَذَا، كَأَرْضِهِ وَشَجَرِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute