وَالتَّصَرُّفَاتُ الْأُخْرَى هِيَ الْفَضْلِيَّةُ، كَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَإِذَا كَانَتِ التَّصَرُّفَاتُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْمُعَادَلَةِ هِيَ مُعَاوَضَةٌ أَوْ مُشَارَكَةٌ، فَمَعْلُومٌ قَطْعًا: أَنَّ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ جِنْسِ الْمُشَارَكَةِ، لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْغَرَرُ إِنَّمَا حَرُمَ بَيْعُهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ ; لِأَنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَهُنَا لَا يَأْكُلُ أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْبُتِ الزَّرْعُ فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ [لَمْ يَأْخُذْ] مَنْفَعَةَ الْآخَرِ، إِذْ هُوَ لَمْ يَسْتَوْفِهَا وَلَا مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ وَلَا هِيَ مَقْصُودُهُ، بَلْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ بَدَنِهِ، كَمَا ذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ أَرْضِ هَذَا، وَرَبُّ الْأَرْضِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ قَدْ أَخَذَهُ، وَالْآخَرُ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، بِخِلَافِ بُيُوعِ الْغَرَرِ وَإِجَارَةِ الْغَرَرِ، فَإِنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاوِضَيْنِ يَأْخُذُ شَيْئًا وَالْآخَرُ يَبْقَى تَحْتَ الْخَطَرِ، فَيُفْضِي إِلَى نَدَمِ أَحَدِهِمَا وَخُصُومَتِهِمَا. وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي هَذِهِ الْمُشَارَكَاتِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الْمُعَادَلَةِ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ظُلْمٌ أَلْبَتَّةَ، لَا فِي غَرَرٍ وَلَا فِي غَيْرِ غَرَرٍ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَأْخَذُ هَذِهِ الْأُصُولِ، وَعَلِمَ أَنَّ جَوَازَ هَذِهِ أَشْبَهُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَأَعْرَفُ فِي الْعُقُولِ، وَأَبْعَدُ عَنْ كُلِّ مَحْذُورٍ مِنْ جَوَازِ إِجَارَةِ الْأَرْضِ، بَلْ وَمِنْ جَوَازِ كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، حَيْثُ هِيَ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لِلْخَلْقِ بِلَا فَسَادٍ. وَإِنَّمَا وَقَعَ اللَّبْسُ فِيهَا عَلَى مَنْ حَرَّمَهَا مِنْ إِخْوَانِنَا الْفُقَهَاءِ بُعْدُ مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْآثَارِ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا هَذَا إِجَارَةً عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ لِمَا فِيهَا مِنْ عَمَلٍ بِعِوَضٍ. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَمِلَ لِيَنْتَفِعَ بِعَمَلِهِ يَكُونُ أَجِيرًا، كَعَمَلِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَعَمَلِ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute