للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِغَيْرِ شَرْعٍ دُونَ مَا عَقَدُوهُ مَعَ تَحْرِيمِ الشَّرْعِ، وَكِلَاهُمَا عِنْدَكُمْ سَوَاءٌ.

قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَا عَقَدُوهُ مَعَ التَّحْرِيمِ إِنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ التَّقَابُضُ، وَأَمَّا إِذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ، بِخِلَافِ مَا عَقَدُوهُ بِغَيْرِ شَرْعٍ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ، لَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا بَعْدَهُ، وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِهَا وَغَيْرِهِمُ اشْتَرَطُوا فِي النِّكَاحِ الْقَبْضَ، بَلْ سَوَّوْا بَيْنَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ عَقْدِ النِّكَاحِ يُوجِبُ أَحْكَامًا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْقَبْضُ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا أَنَّ نَفْسَ الْوَطْءِ يُوجِبُ أَحْكَامًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ. فَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ - وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْآخَرِ -[أَقَرَّهُمُ] الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِعُقُودِهَا هُوَ التَّقَابُضُ. فَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّقَابُضُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهَا، فَأَبْطَلَهَا الشَّارِعُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ.

فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْعِبَادِ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ لَا يُبْطِلُهُ الشَّارِعُ إِلَّا مَعَ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَحِّحُهُ إِلَّا بِتَحْلِيلٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا تَعَاقَدُوا بَيْنَهُمْ عُقُودًا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ لَا تَحْرِيمَهَا وَلَا تَحْلِيلَهَا، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ جَمِيعَهُمْ - فِيمَا أَعْلَمُهُ - يُصَحِّحُونَهَا إِذَا لَمْ يَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَهَا، وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ يَعْلَمُ تَحْلِيلَهَا لَا بِاجْتِهَادٍ وَلَا بِتَقْلِيدٍ. وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إِلَّا الَّذِي يَعْتَقِدُ الْعَاقِدُ أَنَّ الشَّارِعَ أَحَلَّهُ. فَلَوْ كَانَ إِذْنُ الشَّارِعِ الْخَاصُّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعُقُودِ: لَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ إِذْنِهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ، فَإِنَّهُ آثِمٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَادَفَ الْحَقَّ.

<<  <   >  >>