قَدْ يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا - فَهُوَ مِلْكٌ لَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ إِلَّا إِلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوِ النُّسُكِ أَوِ الصَّدَقَةِ. وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ الصِّلَةِ، أَوِ الْفِدْيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْإِهْدَاءِ إِلَى الْحَرَمِ. وَمَنْ قَالَ: زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ عِتْقَهُ وَإِهْدَاءَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ. وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ قِيَاسِ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ: هَلْ يَصِيرُ الْمَوْقُوفُ مِلْكًا لِلَّهِ، أَوْ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أحمد وَغَيْرِهِ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: فَالْمِلْكُ الْمَوْصُوفُ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ أَوِ الْهِبَةِ. وَكَذَلِكَ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، حَيْثُ يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ، كَالْأَبِ إِذَا وَهَبَ لِابْنِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ، كَالشَّافِعِيِّ وأحمد: نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ، حَيْثُ سُلِّطَ غَيْرُ الْمَالِكِ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ وَفَسْخِ عَقْدِهِ.
وَنَظِيرُهُ: سَائِرُ الْأَمْلَاكِ فِي عَقْدٍ يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ، كَالْمَبِيعِ بِشَرْطٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: انْتَقَلَ إِلَى الْمُشْتَرِي، كَالشَّافِعِيِّ وأحمد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَكَالْمَبِيعِ إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ. وَكَالْمَبِيعِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ أَوْ فَوَاتُ صِفَةٍ، عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. فَهُنَا فِي الْمُعَاوَضَةِ وَالتَّبَرُّعِ يَمْلِكُ الْعَاقِدُ انْتِزَاعَهُ، وَمِلْكُ الْأَبِ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ، وَجِنْسُ الْمِلْكِ يَجْمَعُهُمَا. وَكَذَلِكَ مِلْكُ الِابْنِ فِي مَذْهَبِ أحمد وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ الَّذِي اتَّبَعُوا فِيهِ مَعْنَى الْكِتَابِ وَصَرِيحَ السُّنَّةِ.
وَطَوَائِفُ مِنَ السَّلَفِ يَقُولُونَ: هُوَ مُبَاحٌ لِلْأَبِ مَمْلُوكٌ لِلِابْنِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute